بعد سلسلة العقوبات الأمريكية الأخيرة التي استهدفت أربع ميليشيات عراقية بارزة، تصاعد الجدل في الأوساط السياسية حول مستقبل الحكومة العراقية المقبلة.
يأتي ذلك مع إصرار هذه الميليشيات على خوض الانتخابات البرلمانية في العراق المقررة في الـ11 من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل؛ ما يعني مشاركتها لاحقًا في مسار تشكيل الحكومة.
وبحسب مراقبين، تسعى بعض هذه الميليشيات (كتائب سيد الشهداء، كتائب الإمام علي، حركة النجباء، وكتائب حزب الله) إلى تعويض خسائرها السياسية والمعنوية، من خلال توسيع حضورها الانتخابي في محافظات الوسط والجنوب، بل وحتى في مناطق "سنية" وشمالية، مثل: نينوى وصلاح الدين، حيث تحاول فرض نفوذها مستفيدة من قدراتها المالية والعسكرية وشبكاتها الاجتماعية.
في المقابل، تواجه الحكومة العراقية اختبارًا صعبًا بين ضغوط واشنطن التي تشترط إبعاد الميليشيات المسلحة عن العملية السياسية، وبين نفوذ هذه الميليشيات داخل الإطار التنسيقي الحاكم ومؤسسات الدولة.
وبهذا السياق، رأى الباحث في الشأن السياسي، عبد الغني الغضبان، أن "وجود الفصائل المسلحة داخل السباق الانتخابي لا يمنح شرعية للعملية الديمقراطية، بل يثير مخاوف داخلية وخارجية على حدّ سواء".
وأضاف الغضبان، لـ"إرم نيوز"، أن "الولايات المتحدة تنظر إلى مشاركة الفصائل الموالية لإيران بوصفها محاولة لزيادة النفوذ الإيراني في البرلمان، لذلك ستضغط لتطبيق القوانين العراقية التي تحظر على الأحزاب امتلاك أجنحة عسكرية، أو المشاركة في الانتخابات إذا كانت مرتبطة بسلاح خارج إطار الدولة".
وأشار إلى أن "العلاقة بين الحكومة العراقية والجانب الأمريكي ليست على ما يرام حاليًّا؛ ما يفرض على بغداد إرسال رسائل إيجابية لتقوية الثقة، تبدأ من كبح جماح الفصائل، وتطبيق الدستور الذي يمنع الجمع بين السلاح والسياسة".
ويرى المراقبون أن العقوبات الأمريكية لم تكن مجرد خطوة عقابية، بل مقدمة لإعادة رسم الخريطة السياسية داخل العراق، إذ تسعى واشنطن إلى الحد من قدرة الميليشيات على الوصول إلى البرلمان أو التأثير في تشكيل الحكومة المقبلة، وذلك عبر تجفيف مصادر تمويلها، وتشديد الرقابة على المصارف والجهات الوسيطة التي تموّلها.
ومن شأن مشاركة هذه الميليشيات في السباق الانتخابي، التأثير في شكل الحكومة المقبلة؛ ما يجعلها محاصرة بالاتهامات الدولية، خصوصًا إذا ضمت شخصيات مدرجة على لوائح العقوبات أو قريبة منها.
وتقول أوساط دبلوماسية إن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين يراقبون عن كثب طبيعة التحالفات المقبلة، وقد يتعاملون مع أي حكومة تتجاهل هذه التحذيرات باعتبارها "خاضعة لجماعات مصنفة إرهابية"؛ ما قد يدخل العراق في عزلة سياسية واقتصادية جديدة.
وفي السياق ذاته، يرى الخبير الأمني، كمال الطائي، أن "دخول الميليشيات المعاقبة إلى السباق الانتخابي يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الانتخابي، ويضع الأجهزة الأمنية في موقف حرج بين حماية المرشحين المدنيين وضمان حياد الدولة".
وأوضح الطائي، لـ"إرم نيوز"، أن "تاريخ الانتخابات العراقية خلال العقدين الماضيين أثبت أن السلاح غير المنضبط يؤدي إلى ترهيب الناخبين، وتزوير الإرادة الشعبية، وهو ما يجعل من المستحيل الحديث عن انتخابات نزيهة في ظل وجود ميليشيات تتحكم بمراكز النفوذ والتمويل".
ولفت إلى أن "الحكومة أمام تحدٍ مزدوج؛ فهي مطالبة بإقناع المجتمع الدولي بقدرتها على تنظيم انتخابات آمنة، وفي الوقت ذاته مضطرة إلى تجنب صدام مباشر مع ميليشيات تمتلك نفوذًا عسكريًّا واسعًا داخل المدن".
وتترقب الأوساط العراقية نتائح الدعوى القضائية التي أقامها ناشطون من محافظة النجف بهدف استبعاد الكيانات السياسية المرتبطة بالفصائل من المشهد الانتخابي.
وقدم القائمون على الحملة، وهم مجموعة من الأكاديميين والمحامين، شكوى رسمية إلى المحكمة الاتحادية العليا ومكتب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، استندت إلى مواد دستورية وقانونية واضحة، أبرزها المادة (9) من الدستور، والمادة (8) من قانون الأحزاب رقم (36) لسنة 2015، التي تحظر ارتباط أي حزب بتشكيل عسكري أو امتلاكه جناحًا مسلحًا.
ورغم أن المبادرة لاقت تفاعلًا شعبيًّا في المحافظات العراقية الجنوبية، فإنها لم تجد صدى سياسيًّا واسعًا داخل بغداد، وسط تقديرات بأن نفوذ الأحزاب المعنية أقوى من قدرة أي جهة قضائية أو رقابية على تنفيذ القرار فعليًا.