اتخذ وجهاء وكبار منطقة حيّ الوحدة في محافظة الديوانية العراقية قرارًا جماعيًا بعدم استقبال أيّ مرشح للانتخابات البرلمانية المقبلة، احتجاجًا على ما وصفوه بـ"سنوات الحرمان والإهمال" التي تعيشها مناطقهم.
وشهدت المدينة، مساء الجمعة، تظاهرات غاضبة شارك فيها عشرات السكان، رددوا خلالها شعارات تندد بـ"الفساد السياسي" و"الوعود الانتخابية الكاذبة"، وأضرموا النيران في عدد من الإطارات، مؤكدين رفضهم استقبال أيّ مرشح من الأحزاب التقليدية.
وتُعدّ محافظة الديوانية من أفقر المحافظات العراقية، إذ سجلت، وفق بيانات وزارة التخطيط ومراكز الإحصاء الرسمية، نسبة فقر بلغت نحو 29% من السكان، لتأتي بعد محافظتي المثنى وبابل في الترتيب.
وتعاني المحافظة من نقص حاد في الخدمات العامة، حيث لا يتجاوز عدد المستشفيات الحكومية فيها خمسة مستشفيات فقط لخدمة أكثر من مليون ونصف المليون نسمة، إضافةً إلى تراجع حاد في قطاع التعليم والبنى التحتية.
قال ياسين المياحي، أحد منظمي التظاهرة في حيّ الوحدة، إن "قرار الأهالي بعدم استقبال المرشحين جاء بعد أن ضاقت بنا سبل العيش، ولم نعد نثق بمن يستغل حاجتنا في كل موسم انتخابي".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "منطقتنا تُعدّ من أكثر مناطق الديوانية فقرًا، ولا توجد فيها شبكات صرف صحي أو طرق معبّدة أو فرص عمل للشباب، بينما يمرّ المسؤولون من هنا فقط لالتقاط الصور ورفع الشعارات"، وفق تعبيره.
ودخل العراق خلال الأسابيع الماضية أجواء السباق الانتخابي المقرر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، حيث تدفقت الأموال على الحملات، وغزت صور المرشحين الشوارع والساحات العامة، في مشهد يتكرر مع كل دورة انتخابية.
ويرى مراقبون أن التفاوت بين مشهد الدعاية الانتخابية الباذخ وواقع الفقر في المدن الجنوبية عمّق الفجوة بين المواطنين والنظام السياسي.
ووفق تقارير رسمية، تعاني الديوانية من عجز هيكلي في البنى التحتية، إذ لم يُنجز مشروع مجاري المحافظة الكبير الذي أُطلق منذ عام 2011، ولا تزال عشرات الأحياء بلا خدمات مياه أو أرصفة أو شبكات صرف صحي.
بدوره، أوضح الباحث في الشأن السياسي عبدالله الركابي أن "المشهد الانتخابي في الجنوب بات أكثر هشاشة، لأن الناس لم تعد تصدق الخطاب السياسي الذي يتكرر منذ عشرين عامًا دون نتائج ملموسة".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "ما حدث في الديوانية يؤشر إلى وجود تحول اجتماعي خطير، فالمواطنون لم يعودوا يكتفون بالعزوف عن التصويت، بل انتقلوا إلى مرحلة الرفض العلني للمرشحين، وهو مؤشر على تآكل الثقة الشعبية بالأحزاب الحاكمة".
وتضم محافظة الديوانية 13 قضاءً وثلاث نواحٍ، أبرزها الشافعية والسنية والشامية وعفك، ويُعدّ مركز المحافظة أكثرها كثافة سكانية.
وتعاني هذه المناطق من نزوح داخلي متزايد بسبب الجفاف والتصحر الذي ضرب الزراعة، ما أدى إلى تراجع دخل الأسر الريفية وانتقالها نحو المدن التي تفتقر هي الأخرى إلى الخدمات.
واعتادت الأحزاب السياسية في كل موسم انتخابي على تقديم خدمات مؤقتة للسكان، مثل إكساء الشوارع أو تجهيز مولدات كهربائية أو توزيع مساعدات غذائية، سرعان ما تتوقف بعد انتهاء الانتخابات، ما يعمّق الشعور لدى المواطنين بأن تلك الخدمات ليست سوى أدوات دعاية انتخابية وليست حلولًا دائمة.
وقال تحسين الظاهري (40 عامًا)، وهو من سكان حيّ الوحدة، إن "كل الحكومات التي مرّت علينا وعدتنا بتحسين الخدمات وتوفير فرص عمل، لكننا لم نرَ سوى المزيد من الفقر".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "المرشحين يتحدثون عن التنمية وهم لا يعرفون حتى شكل أحيائنا التي تغرق في الوحل صيفًا وتتحول إلى مستنقعات شتاءً".
من جانبه، قال رائد جبار (35 عامًا)، وهو عامل يومي، إن "الناس لم تعد تصدق أحدًا، لأن كل الوعود التي أُطلقت ذهبت أدراج الرياح".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "قرار أهالي حيّ الوحدة بعدم استقبال المرشحين هو رسالة باسم كل الفقراء في الجنوب، بأننا نريد عملًا وخدمات، لا صورًا وشعارات".