تفاوتت آراء الناخبين العراقيين بشأن نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت أمس الثلاثاء، بين من يرى أنها لن تُحدث تغييراً يذكر في المشهد السياسي، ومن يعتبرها خطوة ضرورية ولو كانت محدودة التأثير.
وتسود آمال أن تؤدي الضغوط الاجتماعية والدولية، على الفاعل السياسي، مع جانب مقاطعة التيار الصدري، إلى تحريك الجمود السياسي ودفع القوى الفاعلة نحو إصلاحات حقيقية.
وقال المواطن أنس الشمري من محافظة نينوى، شمالي العراق (33 عاما) إنّه شارك في الانتخابات رغم قناعته بأن التغيير في العراق لن يتحقق عبر صناديق الاقتراع فقط؛ لأن الأحزاب نفسها ما زالت تهيمن على القرار السياسي والاقتصادي، مضيفاً أن "الانتخابات باتت أشبه بواجب أكثر من كونها فرصة حقيقية لتغيير الواقع، لكنّ الامتناع عن المشاركة قد يزيد من هيمنة الفصائل القديمة على مقاعد البرلمان".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "المواطنين في الموصل تعبوا من الوعود، ومع ذلك ما زال الأمل موجوداً بأن تشهد المرحلة المقبلة بعض التحسن في الخدمات والإدارة المحلية، خصوصاً إذا أُتيح مجال أوسع للوجوه المستقلة الجديدة".
وتُعد محافظة نينوى من أكثر المحافظات التي تحمل ذاكرة مثقلة بالأحداث؛ إذ شهدت في عام 2014 دخول تنظيم "داعش" الذي دمر أجزاء واسعة من البنى التحتية، وخلف آثاراً نفسية واجتماعية عميقة في المجتمع المحلي.
ورغم مرور سنوات على تحريرها، ما زالت مناطق عديدة في المحافظة تعاني من الإهمال ونقص الخدمات وفرص العمل، فضلاً عن بطء مشاريع الإعمار وعودة النازحين.
من جانبها، قالت مريم حسن، وهي موظفة من بغداد، إنّ "المشاركة في الانتخابات لم تكن نابعة من حماسة أو ثقة مطلقة، بل من شعور بأن العملية الديمقراطية لا يمكن أن تتوقف تماماً مهما كان مستوى الإحباط".
وأوضحت لـ"إرم نيوز" أن "كثيرين في العاصمة يشعرون أن أصواتهم لا تترجم إلى نتائج واقعية بسبب المحاصصة السياسية وتقاسم النفوذ، لكن المقاطعة لا تحل المشكلة، بل قد تمنح المجال لمنظومات النفوذ كي تتمدد أكثر".
وتابعت حسن أن "المواطنين اليوم لا ينتظرون وعوداً كبرى بقدر ما يبحثون عن إدارة مستقرة، وخدمات منتظمة، ووظائف حقيقية لأبنائهم، وهي مطالب تبدو بسيطة لكنها أصبحت صعبة المنال بسبب الانقسام الحزبي".
وتتجه التوقعات في بغداد إلى تصدر ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني نتائج الانتخابات؛ إذ تشير التقارير الأولية إلى حصوله على نحو 18 مقعداً من أصل 69 تمثل نصيب العاصمة في مجلس النواب.
أما حسين الزيدي من محافظة ذي قار، فعبّر عن رأي أكثر تفاؤلاً، قائلاً إنّ "الظروف الإقليمية والضغوط الدولية المتزايدة على القوى السياسية العراقية قد تدفع باتجاه تصحيح بعض المسارات".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "مقاطعة التيار الصدري، رغم تأثيرها في نسب المشاركة، قد تعيد ترتيب التوازنات الداخلية وتجبر الأحزاب التقليدية على فتح المجال أمام شخصيات أكثر قبولاً لدى الشارع"، مشيراً إلى أن "الناخبين في الجنوب يريدون رؤية نتائج ملموسة هذه المرة، حتى لو كانت محدودة".
وجاءت الانتخابات التي أُجريت أمس لتكون الدورة البرلمانية السادسة في العراق منذ عام 2003، في ظل أجواء سياسية مشحونة وصراع داخلي بين القوى الشيعية، فيما شهدت نسبة المشاركة ارتفاعاً ملحوظاً بلغ 55%، بمشاركة نحو 12 مليون ناخب، من أصل 20 مليون ناخب يحق لهم الانتخاب.
ويرى مختصون أن العملية الانتخابية أُجريت بسلاسة من الناحية التنظيمية والفنية، ولم تُسجل حوادث مؤثرة في يوم الاقتراع، فيما بدأت عمليات العد والفرز اليدوي والإلكتروني فور إغلاق الصناديق مساء الثلاثاء.
من جهته، يرى الباحث في الشأن السياسي عماد محمد أن "النتائج الأولية التي ستفرزها هذه الانتخابات ستكون في الغالب مقاربة للدورات السابقة من حيث توزيع القوى داخل البرلمان، بما يعني استمرار المشهد السياسي نفسه تقريباً".
وأضاف محمد لـ"إرم نيوز" أن "التوازنات بين القوى الشيعية والسنية والكردية لن تتبدل كثيراً؛ لأن النظام الانتخابي الحالي القائم على طريقة سانت ليغو يكرس هيمنة الكتل الكبيرة ويُضعف فرص القوى الصغيرة والمستقلين"، موضحاً أن "ما قد يتغير هو طبيعة التحالفات؛ إذ من المحتمل أن نشهد تقارباً ظرفياً بين قوى كانت متباعدة خلال السنوات الماضية بهدف ضمان المشاركة في الحكومة المقبلة".
ويأمل العراقيون أن تفضي النتائج النهائية إلى تشكيل حكومة أكثر تماسكاً واستقلالية في قرارها الاقتصادي والسياسي، خصوصاً في ظل الأزمة المالية المتكررة وتراجع الخدمات الأساسية واستمرار نفوذ الميليشيات المسلحة في بعض مفاصل الدولة.