يثير مشروع القرار الأمريكي المطروح أمام مجلس الأمن بشأن إدارة قطاع غزة، ومستقبل الأوضاع فيه، تساؤلات واسعة حول طبيعة الدور الذي تسعى واشنطن إلى ترسيخه في مرحلة ما بعد الحرب، وما إذا كانت غايته الوصول إلى سلام شامل أم مجرد إدارة جديدة للصراع.
وبينما تروّج الإدارة الأمريكية لفكرة "مجلس السلام" كإطار لإعادة الإعمار، وضمان الاستقرار في غزة، يرى مراقبون أن الصيغة المقترحة تُعيد إلى الأذهان أنماط الوصاية الدولية التي فُرضت تاريخيًا على مناطق الصراع، بما يكرس واقعًا من السيطرة متعددة الأطراف دون سيادة وطنية فلسطينية واضحة.
وأعلنت البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، قبل 3 أيام أنها أودعت مشروع قرار في مجلس الأمن لدعم خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للسلام في القطاع، متضمناً إنشاء "مجلس السلام" الذي سيرأسه ترامب نفسه، للإشراف على حكومة انتقالية في غزة، وتفويض قوة دولية للاستقرار ضمن بنود اتفاق وقف إطلاق النار.
ويرى مراقبون أن واشنطن تسعى إلى إضفاء شرعية أممية على رؤيتها الخاصة بترتيبات ما بعد الحرب في غزة، عبر صيغة جديدة تمزج بين الإشراف الدولي والإدارة الانتقالية، وتربط إعادة الإعمار بالإصلاح السياسي الفلسطيني، وأن مجرد طرح الخطة على مجلس الأمن يمثل نقلة نوعية في السياسة الأمريكية تجاه غزة.
ويقول المحلل العسكري، ضيف الله الدبوبي، إن الحديث عن قوة استقرار دولية في غزة يطرح أسئلة صعبة حول طبيعة التفويض والقدرات الميدانية لهذه القوة.
ويشير الدبوبي، في حديث لـ"إرم نيوز"، إلى أن أي انتشار عسكري في القطاع سيواجه بيئة معقدة ومتشابكة، خاصة في ظل وجود فصائل مسلحة، ومناطق مدمرة تحتاج إلى ترتيبات أمنية دقيقة.
ويضيف الدبوبي أن القوة الدولية، حتى وإن كانت بتفويض أممي، لن تكون بمنأى عن الاستهداف أو الاحتكاك المباشر، ما لم تحدد بوضوح مهامها ونطاق عملها، مشيرًا إلى أن تجربة القوات الدولية في جنوب لبنان أو كوسوفو تُظهر أن غياب وضوح المهمة يؤدي غالبًا إلى شلل ميداني، وصدامات متكررة.
وتابع أن التحدي الأكبر يتمثل في إدارة الأمن الداخلي، إذ إن أي قوة أجنبية في غزة ستحتاج لتنسيق دائم مع الأجهزة الفلسطينية، ومع أطراف إقليمية، معتبراً أن نجاح الخطة يعتمد على مدى قبول الفلسطينيين والقوى الإقليمية بوجود قوة دولية ذات طابع ردعي، محذرًا بالوقت ذاته من أن فرضها دون توافق سيحولها إلى عامل توتر جديد بدلاً من عنصر استقرار.
ويرى الكاتب المختص بالشأن الفلسطيني، حمادة الفراعنة، أن ترامب مضى في مسارين متوازيين، أولهما دعم إسرائيل على نحو مطلق خلال العامين الماضيين، من خلال تقديم كل أشكال الدعم العسكري والاستخباري والسياسي،
ويقول فراعنة، في حديث لـ"إرم نيوز"، إن المسار الثاني هو فرض وقف إطلاق النار لخدمة إسرائيل ذاتها، وإنقاذ حكومتها من الفشل والعزلة والعقاب الدولي، عبر مبادرة أمريكية صيغت لحماية إسرائيل، وإعادة تدوير صورتها أمام العالم، وليس لوقف معاناة الفلسطينيين، وفق قراءته.
ويشير فراعنة إلى أن الخطة الأمريكية أعادت توجيه الاهتمام الدولي من فكرة إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية إلى التركيز فقط على غزة، بما يكرس واقع الانقسام، ويُضعف السلطة الفلسطينية، ويقزم دور منظمة التحرير الفلسطينية.
ويؤكد فراعنة أن الرد الحقيقي على هذه الخطة يجب أن يكون بإعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتوحيد السلطة تحت مظلة منظمة التحرير، واستعادة المشروع الوطني على أساس الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، لأن استمرار الانقسام يشكل الهدية المجانية الأكبر لإسرائيل، بحسب قوله.
وينص مشروع القرار الأمريكي على إنشاء مجلس سلام كهيئة انتقالية تتولى إدارة الإعمار، والمساعدات الإنسانية في غزة حتى نهاية عام 2027، بالتنسيق مع البنك الدولي، الذي سيُكلف بإنشاء صندوق تمويل لإعادة الإعمار.
كما يدعو القرار إلى تشكيل قوة دولية مؤقتة للاستقرار، تعمل بتنسيق مباشر مع مصر وإسرائيل، وتكون مخولة باستخدام كل التدابير اللازمة لتنفيذ مهامها الميدانية.
وحتى اللحظة، لم يتضح ما إذا كانت واشنطن قادرة على حشد الأصوات المطلوبة لاعتماد القرار دون استخدام حق النقض من أي دولة دائمة العضوية.
وبينما تواصل الولايات المتحدة الترويج للخطة باعتبارها "بوابة السلام الشامل"، يخشى الفلسطينيون أن تؤدي هذه الخطوة إلى تدويل القطاع وتكريس واقع الانقسام، بما يجعل غزة كيانًا تحت الوصاية، لا دولة ذات سيادة.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، يبدو أن مشروع ترامب للسلام في غزة سيظل محور اختبار سياسي ودبلوماسي كبير، يحدد ما إذا كانت الأمم المتحدة قادرة على تحقيق سلام حقيقي، أم أنها ستمنح واشنطن تفويضًا جديدًا لإدارة الصراع بأسلوب مختلف، لكن بالنتيجة ذاتها.