رفض أطباء إسرائيليون المشاركة في عمليات إعدام سجناء فلسطينيين وعرب في السجون الإسرائيلية، بموجب مشروع قانون بلوره حزب "عوتسما يهوديت" قبل أيام تحت رئاسة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، والمقرر تمريره بعد المصادقة النهائية عليه في الكنيست.
وبحسب تحقيق مطوّل لصحيفة "هآرتس"، يشير التعديل الأخير على مشروع القانون إلى تنفيذ العقوبة عبر حقن السجناء الفلسطينيين والعرب بجرعة سم قاتلة، مع إشراك الأطباء في الإشراف على العملية.
وحول ذلك، أصدرت الجمعية الطبية الإسرائيلية اعتراضًا غير مسبوق، يتماشى مع الموقف العالمي المتعارف عليه، والرامي إلى منع ضلوع الأطباء في مثل هذه العمليات.
وفي الليلة التي سبقت نقاش لجنة الأمن القومي في الكنيست حول مشروع القانون، علمت الجمعية الطبية الإسرائيلية أن أحكام الإعدام سوف تُنفَّذ بالحقنة القاتلة.
وخلال مناقشات اللجنة، أوضح ممثل الجمعية، الدكتور ألبرتو أولشوفسكي، أن "الالتزام بالاتفاقيات الدولية يمنع الأطباء الإسرائيليين من المشاركة بأي شكل من الأشكال في تنفيذ عمليات الإعدام".
ويقضي موقف الجمعية الطبية العالمية بأن "مشاركة الأطباء في عمليات الإعدام أمر غير مقبول أخلاقيًّا في أي مرحلة، بما في ذلك مرحلة التحضير والتشاور". وأضاف أولشوفسكي: "يُحظر استغلال علمنا لأغراض تتعارض مع تعزيز الصحة والرفاهية".
ووفقًا لتعديلات مشروع القانون، من المقرر أن يصدر حكم الإعدام قاضٍ واحد، خلافًا للمتبع قضائيًّا، وهو تشكيل هيئة من 5 أعضاء لإقرار الحكم. كما لن يخضع الحكم للاستئناف. وبعد 90 يومًا، يُنفَّذ حكم الإعدام على المدانين الفلسطينيين والعرب دون غيرهم من اليهود.
وكشفت "هآرتس" أن تطبيق القانون بهذه الصيغة يضاهي ما كان متّبعًا في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، والذي أجاز في حينه تنفيذ حكم الإعدام رميًا بالرصاص أو بالشنق. إلا أن مشروع قانون إيتمار بن غفير الجديد ينص على تنفيذ الإعدام بحقنة سم قاتلة.
ويشترط هذا البند في مشروع القانون مشاركة أطباء، ليس فقط في إعطاء الحقنة المميتة؛ بل يشترط المعرفة الطبية لاختيار نوع السم المناسب، وقياس الجرعات المميتة الملائمة لوزن المحكوم عليه؛ بالإضافة إلى استعدادات طبية أخرى لتطبيق حكم الإعدام.
وفي اليوم التالي لمناقشة لجنة الكنيست، وجّه رئيس مجلس أخلاقيات الجمعية الطبية الإسرائيلية، الدكتور يوسف والفيش، رسالة إلى رئيس لجنة الأمن القومي، النائب تسفيكا فوغل.
وفي الرسالة كتب والفيش: "يجب أن نوضح أن موقف مجلس أخلاقيات الجمعية الطبية الإسرائيلية يحظر على جميع الأطباء المشاركة في تنفيذ حكم الإعدام، أو إعداده".
وأضاف: "الأطباء معالجون يكرسون مهنتهم وخبرتهم ومهاراتهم لعلاج المرضى وتخفيف آلامهم واستعادة صحتهم؛ ولذلك يُحظر على الأطباء الإسرائيليين تمامًا المشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر في عمليات الإعدام".
ويؤكد أن "هذا الموقف يرتكز على المبدأ الأساسي للطب، والذي ينبع أيضًا من قسم الطبيب العبري: وأن تخدموا البشرية خدمة كاملة منذ خروجها من رحم أمهاتها، وستكون سلامة البشر غايتكم القصوى دائمًا".
كما توصي المبادئ الطبية المعروفة عالميًّا بـ"المساهمة في الشفاء، وتخفيف المعاناة، وليس في إزهاق الأرواح".
وواجه مجلس أخلاقيات الجمعية الطبية الإسرائيلية على مر السنين معضلات أخلاقية عديدة ومتنوعة، بما في ذلك قضايا سياسية متفجرة: تعذيب السجناء الأمنيين المضربين عن الطعام، أو إطعامهم قسرًا.
ومع ذلك، شكّلت السنوات القليلة الماضية تحديًا للمجلس مرارًا وتكرارًا، مما دفعه أحيانًا إلى معالجة قضايا تُسبب صراعًا داخليًّا بين الأطباء المختلفين.
ومن بين أمور أخرى، ناقش المجلس خلال العامين الماضيين معاملة السجناء الفلسطينيين المحتجزين في مركز احتجاز "سدي تيمان"، ومعاملة السجناء في المستشفيات العامة الإسرائيلية، والوضع الإنساني في غزة، والهجمات الإسرائيلية على الفرق الطبية والبنى التحتية في غزة.
ولكن حتى بالمقارنة مع هذه القضايا، فإن صياغة ورقة موقف أخلاقي حول دور الأطباء في عمليات الإعدام أمر غير مسبوق.
وفي حديث مع صحيفة "هآرتس"، قال الدكتور والفيش: "كل طبيب تحدثتُ إليه كان موقفه واضحًا تمامًا. الأطباء ينقذون الأرواح. هذا هو جوهر واجبهم".
وأضاف أن "وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أخطأ عندما قال في نقاش للجنة إنه يعرف أطباء يتطوعون لإعدام السجناء الفلسطينيين والعرب رميًا بالرصاص أو شنقًا".
وأضاف والفيش: "لن يصبح الأطباء الإسرائيليون جلادين في خدمة سلطة إسرائيل، بغض النظر عن مواقفهم السياسية".
وتابع: "مهمتي كرئيس لمجلس الأخلاقيات هي التعبير عن تنوع الآراء في النقاش الأخلاقي، ولكن هناك خطوط حمراء. حتى أكثر الأطباء يمينية يدركون ذلك، وكذلك الأطباء الذين يعارضون أي عقوبة إعدام في إسرائيل. سيجد بن غفير صعوبة في تجنيد أطباء مستعدين لانتهاك الأخلاقيات".
ويتوافق موقف والفيش مع الجمعية الطبية الإسرائيلية، التي تنص صراحة على منع الأطباء من المشاركة في عمليات الإعدام. ويشمل هذا الحظر تقييم اللياقة الطبية للمحكوم عليهم، والإشراف على عمليات الإعدام، وتحديد جرعات الحقن، والتواجد لضمان "موت سريع"، وإعلان وفاة المحكوم عليه.
وكتب والفيش في رسالته إلى فوغل: "الجمعية الطبية الإسرائيلية ملتزمة بالاتفاقيات الدولية، وتعتنق مبادئ الجمعية الطبية العالمية بالكامل".