سارة عيسى - إرم نيوز
يعكس الصراع المستمر بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وفصائل المعارضة المدعومة من تركيا، تعقيداً كبيراً في موازين القوى الإقليمية، فيما يرى البعض أن "قسد" استعادت السيطرة على مناطق استراتيجية مثل منبج.
ويرى محللون أن التدخل الأمريكي في سوريا، يتعلق بمصالح استراتيجية تتجاوز دعم "قسد"، خاصةً في ما يتعلق بالموارد النفطية، مما يحول دون السماح لتركيا بالسيطرة على الآبار النفطية.
وفي المقابل، تؤكد مصادر أخرى أن تركيا تسعى للقضاء على الإدارة الذاتية الكردية في شرق الفرات، وتحقيق أجندتها العسكرية والسياسية في المنطقة.
وذكرت الأمين العام لحزب الشباب للبناء والتغيير، بروين إبراهيم، أن "فصائل المعارضة السورية المسلحة سيطرت على مدينة منبج، إلا أن هذه السيطرة كانت سبباً في استنجاد أهل المدينة بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) للعودة إلى المنطقة وفرض سيطرتها مجدداً، على خلفية ارتكاب الفصائل المسلحة جرائم بحق المدنيين"، حسب قولها.
وأضافت في تصريح لـ "إرم نيوز"، أن "المدينة حالياً تحت سيطرة "قسد"، ولن يحدث نزوح طالما أن "قسد" تسيطر عليها، وأن ما يزعج السوريين هو رفع العلم التركي"، مشيرة إلى أن "جميع المسلحين الذين جاؤوا إلى سوريا هم مرسلون من الجانب التركي، وأن المجازر التي ارتُكبت في عفرين وكوباني وسركانية كانت من تنفيذ الجيش الوطني الحر"، وفق تعبيرها.
وأوضحت أن "قسد" أبدت حسن النية من خلال تنازلها عن بعض الأمور، في محاولة لفتح مبادرات سلمية مع الطرف الآخر، مشيرة إلى أن الجانب الأمريكي لن يتراجع عن دعم قسد، ليس من أجلهم بل من أجل مصالحهم، لا سيما في ظل رغبة الولايات المتحدة وإسرائيل في الاستحواذ على النفط في شرق سوريا، مؤكدة أن الولايات المتحدة لن تسمح لتركيا بالسيطرة على آبار النفط، وبحسب قولها، سيطرت قسد على منبج وكل المناطق التي كانت محتلة سابقاً مثل عفرين وسركانية.
الأهداف الاستراتيجية
وعرض الأكاديمي والباحث السياسي فريد سعدون، وجهة نظر مختلفة بشأن الوضع في المنطقة، وأشار إلى أن ما يسمى "تحالف الجيش الوطني السوري" يتكون من فصائل قريبة من تركيا، وهو ما يتضح من أسماء هذه الفصائل مثل "فرقة السلطان سليمان شاه" و"فرقة السلطان مراد" و"نور الدين الزنكي"، فضلاً عن أن قادة هذه الفصائل هم من أصول تركمانية.
وتحدث سعدون في تصريح لـ "إرم نيوز"، عن الأهداف الاستراتيجية لهذا التحالف، والتي تتلخص في محاربة الأكراد في شرق الفرات وتنفيذ الأجندات التركية.
وأوضح أن هذه المخاطر ستظل قائمة، لأن تركيا قررت القضاء على الإدارة الذاتية الكردية وإنهاء وجود "قسد" في المنطقة، مؤكداً أن محاولات الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا ستستمر حتى تتحقق الأهداف التركية، خاصة في ظل سعي أنقرة لتصفية عناصر حزب العمال الكردستاني.
وعن التدخل الأمريكي والرمزية الكردية لكوباني، أشار سعدون، إلى أنه بعد سقوط حلب، وفي إطار الاتفاقات مع هيئة تحرير الشام، انسحبت قوات "قسد" من بعض المناطق وانتقلت إلى منبج.
وأضاف أن هذا الانسحاب لم يرضِ الجيش الوطني السوري، بل كان خطوة مهمة لتقدمهم نحو منبج، بهدف الوصول إلى كوباني والانتقال من الضفة الغربية إلى الشرقية لنهر الفرات، ووفقاً لتفاهمات مع الجانب الأمريكي، انسحبت "قسد" من منبج لتدخلها فصائل المعارضة المسلحة.
واعتبر سعدون، أن تركيا تعمل على إخراج عناصر حزب العمال الكردستاني من المنطقة، كما أنها تطمح لإعادة قبر سليمان شاه، إلى مكانه في منطقة قراقوزاق جنوب كوباني، وقد وافقت "قسد" على هذه الخطوة، ولكن تركيا طالبت بأن يكون الموقع أوسع بكثير من السابق، بما يصل إلى 4 كيلومترات، مع فرض وجود قاعدة عسكرية تركية في المنطقة.
وأوضح أنه في الآونة الأخيرة، لم تتمكن فصائل المعارضة من التقدم نحو جسر قراقوزاق، ما دفع الولايات المتحدة للتدخل بشكل واضح، حيث رفعت العلم الأمريكي على المباني الرئيسة في كوباني، ما جعل المنطقة تمثل نفوذاً أمريكياً، وفي إطار الوساطة الأمريكية، وافقت "قسد" على الانسحاب من كوباني لتحويلها إلى إدارة مدنية، ولكن الأتراك لم يعلنوا بعد موافقتهم على هذه الخطوة.
وأشار إلى أن محاولات الدخول إلى كوباني ستبقى مستمرة، خاصة أن المدينة تمثل رمزية أسطورية للأكراد، حيث كانت المدينة الوحيدة التي صمدت أمام هجمات داعش، معتبراً أن تركيا ترغب في كسر هذه الرمزية، وفي حال السيطرة عليها، سيكون الطريق مفتوحاً للسيطرة على الرقة، ما يشكل تهديداً كبيراً للإدارة الذاتية الكردية.
وحذر من أنه إذا اندلعت معركة في كوباني، فإن "قسد" ستضطر إلى حشد جميع قواتها، ما قد يؤدي إلى خسارة بعض المناطق الأخرى، وفي حال وصلت القوات إلى كوباني، من المحتمل أن يتدخل الطيران التركي، وهو ما لا ترغب الولايات المتحدة في حدوثه.
وفيما يتعلق بنزوح الأكراد لفت سعدون إلى أن المجتمع الغربي لم يعد يتقبل فكرة نزوح جديد، مؤكداً أن أي تعرض لكوباني قد يؤدي إلى موجات نزوح جديدة، مما يزيد الضغط على المنطقة.