لم يكن تحويل مدينة حلبجة في إقليم كردستان العراق، إلى محافظة مجرد قرار إداري بل لحظة انتظرها كثير من أهل المدينة باعتبارها خطوة متأخرة نحو الاعتراف بتضحياتهم ومعاناتهم الطويلة.
وصوّت مجلس النواب العراقي في جلسته الأخيرة، على مشروع قانون استحداث محافظة حلبجة لتصبح المحافظة رقم (19) في البلاد بعد أن كانت تتبع إداريًا لمحافظة السليمانية ضمن الإقليم.
ولاقى القرار ترحيبًا واسعًا من رئاسة الجمهورية التي وصفته بأنه "خطوة تاريخية" طال انتظارها، في حين عبّر مسؤولون في إقليم كردستان عن سعادتهم باعتباره إنصافًا لمدينة عانت كثيرًا في الماضي.
تثمينا للتضحيات
بدوره، قال عضو الاتحاد الوطني الكردستاني أحمد الهركي إن "تصويت البرلمان العراقي على استحداث محافظة حلبجة يُعد تثمينًا لتضحيات هذه المدينة، ويكتسب القرار رمزية خاصة؛ كونه تزامن مع الذكرى السابعة والثلاثين لعمليات الأنفال التي أدت إلى سقوط الآلاف وهدم آلاف القرى الكردية".
وأضاف الهركي لـ"إرم نيوز" أن "القرار قوبل بارتياح شعبي واسع لدى أهالي حلبجة والأوساط الكردستانية، باعتباره اعترافًا طال انتظاره"، مشيرًا إلى "ضرورة إنصاف أسر الشهداء وسكان المدينة".
وتقع مدينة حلبجة في أقصى شمال شرقي العراق ضمن إقليم كردستان، وتحديدًا على الحدود مع إيران، وكانت تتبع إداريًا لمحافظة السليمانية قبل قرار البرلمان الأخير، وتُعد المدينة ذات طابع جبلي ومناخ معتدل، ويقدر عدد سكانها بنحو 120 ألف نسمة، وتحتفظ بمكانة رمزية في الوعي الجمعي العراقي نظرًا لما تعرضت له من قصف كيمياوي عام 1988 خلّف آلاف الضحايا من المدنيين.
وبحسب الوثائق الرسمية، فإن أولى محاولات استحداث محافظة حلبجة تعود إلى عام 2013 عندما صوت برلمان إقليم كردستان على القرار، قبل أن تُرسل الطلبات تباعًا إلى الحكومة الاتحادية التي لم تُقرّه رسميًا إلا في جلسة البرلمان الأخيرة.
وطوال السنوات الماضية، ظل الملف عالقًا بين الجوانب الفنية والسياسية، رغم المطالبات المتكررة من الأهالي والسلطات المحلية بإكمال الخطوة ومنح المدينة صفتها الإدارية المستحقة.
تحديات إدارية
ومع اعتماد القرار، أصبح عدد محافظات العراق 19 محافظة، وهي: وبغداد، ونينوى، والبصرة، وصلاح الدين، ودهوك، وأربيل، والسليمانية، وديالى، وواسط، وميسان، وذي قار، والمثنى، وبابل، وكربلاء، والنجف، والأنبار، والديوانية، وكركوك، وحلبجة.
ومع استحداث محافظة جديدة، تبرز تحديات تتعلق بتأسيس البنية الإدارية، مثل إنشاء الدوائر الحكومية، وتحديد الميزانية الخاصة بالمحافظة، كما أن رسم الحدود الإدارية بين حلبجة والمحافظات المجاورة، خاصة السليمانية، قد يتطلب وقتًا وتنسيقًا بين الجهات المعنية.
وبدت بوادر ذلك، إذ قالت مفوضية الانتخابات إن استحداث محافظة حلبجة يتطلب تعديلًا في قانون الانتخابات الحالي، ليتم اعتمادها كدائرة انتخابية مستقلة في الاقتراع المقبل.
وأوضحت المتحدثة باسم المفوضية، جمانة الغلاي، أن "هذا التعديل ضروري لضمان تمثيل عادل للناخبين في المحافظة الجديدة"، مؤكدة أن "المفوضية تنتظر التوجيهات القانونية اللازمة من الجهات المختصة للمضي قدمًا في هذا الشأن".
بدوره، رأى الباحث في الشأن السياسي هافال مريوان أن "تحويل حلبجة إلى محافظة لا يتعلق فقط بتصحيح وضع إداري بل بإعادة كتابة علاقة الدولة مع مواطنيها في المناطق المنكوبة".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "الخطوة قد تبدو بسيطة في ظاهرها لكنها تعكس تحوّلًا في العقل المركزي للدولة، فهذه أول مرة يُترجم فيها الاعتراف التاريخي بجريمة إلى قرار سياسي عملي، ما يجعل من حلبجة ليس فقط محافظة، بل سابقة في التعاطي مع الذاكرة الجمعية للعراقيين، وهو ما قد يفتح الباب لمطالب مشابهة من مناطق أخرى تحمل جراحًا تاريخية".
ويرى سكان المدينة أن قرار استحداث محافظتهم يضع الدولة أمام مسؤولية جديدة، تتمثل في تحويل هذا الاعتراف إلى واقع ملموس، من خلال توفير الخدمات الأساسية والبنية التحتية، بما يضمن تحقيق تطلعاتهم.