الجيش الإسرائيلي: يمكن لسكان مدينة غزة مغادرة المدينة باتجاه المواصي عبر شارع الرشيد بدون تفتيش

logo
العالم العربي
خاص

مكالمة بوتين ونتنياهو تعيد رسم الخرائط.. خفايا التنسيق الروسي-الإسرائيلي بسوريا

مكالمة بوتين ونتنياهو تعيد رسم الخرائط.. خفايا التنسيق الروسي-الإسرائيلي بسوريا
بوتين والشرع ونتنياهوالمصدر: إرم نيوز
29 يوليو 2025، 11:41 ص

جاء الاتصال الأخير بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليفتح نافذة جديدة على طريقة تعامل الطرفين مع المشهد السوري بعد سقوط نظام الأسد، خصوصاً أن المكالمة تناولت الملف السوري بشكل صريح. هذا الاتصال بتوقيته ومضمونه، لا يبدو منفصلاً عن رغبة روسية في اختبار إمكانيات العودة السياسية إلى الساحة السورية، عبر بوابات التنسيق والمناورة، بما يضمن للكرملين موطئ قدم في المعادلات المقبلة.

أخبار ذات علاقة

آلية محترقة في السويداء

الغارديان: انفلات السلاح ووضع الأقليات يهددان بـ "انفجار كبير" في سوريا

وفي المقابل، تبدو إسرائيل أكثر ميلاً لاستكشاف قنوات تنسيق جديدة مع الأطراف الدولية المؤثرة، فمرحلة ما بعد سقوط النظام تركت فراغاً في قواعد الاشتباك التي طالما تعاملت معها تل أبيب من موقع التفوق العسكري. لكنها اليوم تُدرك أن تَغيُّر طبيعة الفاعلين في سوريا يفرض إعادة هندسة أدواتها، لا سيما من خلال قراءة أوسع للتوازنات السياسية المقبلة، بما فيها موقع روسيا المحتمل ضمن هذه التوازنات.

اتصال بوتين ونتنياهو فتح الباب على أسئلة صعبة حول؛ لماذا سوريا الآن؟ وما الذي تُفكّر به موسكو وتل أبيب في مرحلة ما بعد الأسد؟

تقاطع الضرورات لا تحالف المصالح

مصدر دبلوماسي غربي مطّلع أفاد لـ"إرم نيوز" بأن الاتصال الذي أجراه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يأتي في سياق سلسلة تحرّكات تُحضّر لها موسكو، انطلاقاً من قناعة راسخة في الكرملين بأن روسيا لا تزال تمتلك أوراقاً وازنة في الملف السوري، حتى بعد انهيار النظام الذي شكّل واجهتها المباشرة لسنوات. وأضاف المصدر أن موسكو لا تنظر إلى نفسها كطرف هامشي في ترتيبات ما بعد المرحلة الانتقالية، وإنما كفاعل سياسي يحتفظ بامتداد دبلوماسي، وحضور عسكري تقني، وقدرة على تحريك ملفات التفاوض في المحافل الدولية أو التأثير في مسارات القرار الأممي.

كما لفت المصدر إلى أن ما تغيّر في الحسابات الروسية هو طبيعة أدوات الحضور الروسي في الملف السوري. وتابع "فبدلاً من الرهان على الهيمنة الميدانية أو الغطاء الأمني الكامل كما في السنوات السابقة، يبدو أن روسيا ستعيد تشكيل نفوذها من خلال تقاطعات إقليمية حذرة، من أبرزها التفاهم مع إسرائيل التي تحوّلت في الأشهر الماضية، من مراقب خارجي إلى طرف فاعل، بعدما استخدمت قوتها الجوية بوضوح في جنوب سوريا، وفرضت من خلال ذلك إيقاعاً عسكرياً خاصاً أرسل رسائل مباشرة ليس فقط إلى الداخل السوري، بل إلى العواصم الدولية التي تراقب المشهد".

أخبار ذات علاقة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

الكرملين: بوتين ونتنياهو بحثا سوريا وإيران في اتصال هاتفي

وفي ضوء هذا التدخل، اعتبر المصدر الدبلوماسي خلال حديثه لـ"إرم نيوز"، بأنه قد بات واضحاً للطرفين أن ثمة مجالات جدية يمكن البناء عليها في إطار تقاطع الضرورات، فإسرائيل تمتلك القدرة على فرض خطوط حمراء ميدانية، فيما تراهن روسيا على قدرتها على ترجمة هذه الوقائع الميدانية إلى توازنات سياسية تحافظ على استقرار إقليمي لا يُنازع المصالح الإسرائيلية ولا يتجاوزها.

ويشير المصدر الدبلوماسي إلى أن موسكو ترى في تل أبيب الطرف الوحيد الذي يمتلك قدرة عملياتية مباشرة على التأثير في المسار السوري، وهو ما يجعل من التنسيق معها خياراً واقعياً. في المقابل،  تسعى روسيا إلى إعادة بناء دور سياسي قابل للتكيّف مع موازين القوى الجديدة، عبر تفاهمات مع تل أبيب تتيح لها الحضور عند خطوط التماس دون العودة إلى الانخراط العسكري.

المصدر أوضح أيضاً أن التعاون بين الطرفين في الملف السوري خلال الأيام المقبلة قد يتركز على بلورة تصوّر مشترك حول نوعية الاستقرار الذي يُمكن تثبيته في سوريا. مشيراً إلى أن الاتصال بين بوتين ونتنياهو قد يكون أول خطوة في سلسلة تواصل أكثر انتظاماً، إذا ثبت للطرفين أن التفاهم ضروري لضمان استقرار يناسب مصالح وجودهما في سوريا الجديدة، وأن كلفة تجاهل بعضهما لبعض باتت أعلى من كلفة التنسيق المرحلي.

في التوقيت مغزى

يبدو الاتصال الثنائي بين بوتين ونتنياهو، أنه جزء من استراتيجية روسية متدرجة لإعادة إدخال نفسها إلى طاولة الملف السوري عبر قنوات سياسية ودبلوماسية، بعدما تآكلت أوراقها الميدانية عقب انهيار النظام الحليف لها، واندثار المساحات التي كانت تُمسك بها بشكل مباشر أو عبر واجهات عسكرية أو أمنية،  وفق حديث المحلل السياسي المختص في الشؤون الروسية، ألكسندر بيتروف لـ"إرم نيوز".

وتابع "روسيا التي خسرت عمقها الاستراتيجي داخل الجغرافيا السورية تحاول اليوم استعادة موقعها، كمشارك اضطراري في ترتيبات ما بعد الزلزال. وهي تعلم جيداً أن الطريق إلى هذا الموقع لا يمرّ فقط عبر مجلس الأمن أو الأمم المتحدة، بل تتطلب أيضاً التفاهم – أو على الأقل التفاعل – مع الفاعلين الإقليميين الأكثر حساسية وتأثيراً، وفي مقدّمتهم إسرائيل".

وانطلاقا من ذلك اعتبر بيتروف أن اختيار الكرملين للحديث مع نتنياهو حول سوريا، يكتسب دلالة بالغة. "موسكو لا تملك ترف الانتظار، ولا تقبل بفكرة التهميش، لذلك يبدو الاتصال بمثابة إعلان نوايا صامت يتمثل في أن موسكو لن تترك سوريا تُدار دونها".

قناة مفتوحة أم مناورة مرحلية؟

يعيد الاتصال بين بوتين ونتنياهو فتح سؤال محوري حول ما إذا كانت موسكو بصدد الانتقال من الحضور الرمزي إلى تنسيق فعلي مع تل أبيب في الملف السوري، أم أنها تسعى فقط إلى إرسال إشارات مزدوجة للغرب مفادها أنها لا تزال قادرة على لمس الأرض السورية سياسياً.

بهذا الصدد لفت بيتروف إلى أن ما تبحث عنه موسكو، ليس بالضرورة شراكة استراتيجية معلنة، وإنما مساحة تنسيق تكتيكي مرن، تتيح لها الظهور كقوة توازن في سوريا الجديدة دون الاصطدام بمراكز النفوذ التي تشكّلت بعد سقوط النظام السابق.

وأضاف "روسيا تحتاج إلى تثبيت موقع لها في أي تسوية مستقبلية حول سوريا، وهي تدرك أن إسرائيل، التي راقبت عن كثب الانهيار الهادئ لنظام الأسد، باتت تبحث عن منظومة استقرار بديلة، تُبقي الجبهة الشمالية هادئة دون أن تمنح السلطة الانتقالية الجديدة أوراق قوة إقليمية زائدة".

ومن هنا، قد يلتقي الطرفان بحسب رأي بيتروف عند حدود معيّنة؛ فموسكو تحاول أن تُعيد تقديم نفسها كوسيط سياسي محتمل، لا كحليف لطرف بعينه في المسار السوري المقبل، في حين يمكن لإسرائيل أن تُمرّر رسائل للغرب بخصوص ضرورة عدم تجاهل موسكو في ترتيبات الحل. "هو تقاطع مصلحي يقوم على إدراك مشترك بأن الغياب التام لأي طرف يُولّد فراغاً يُغري آخرين بملئه".

ماذا تملك موسكو وماذا يمكن أن تأخذ؟

رغم تبدّل المشهد السوري وانسحاب موسكو من مواقع التأثير المباشر، إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه في لحظة التفاهم المحتمل مع إسرائيل هو، ما الذي بقي فعلياً في يد روسيا لتقدّمه، وما الذي تطمح إلى انتزاعه.

قد يُقال إن روسيا اليوم متراجعة التأثير في سوريا بعد خسارتها ركائزها الميدانية الأساسية، لكن هذا لا يعني خروجها الكامل من المشهد، بحسب الباحث السياسي بسام النجار في حديثه لـ"إرم نيوز". فموسكو، كما يوضح النجار، لا تزال تمتلك هامش حركة سياسي محدود، مستند إلى شبكة علاقات دبلوماسية إقليمية، وقدرتها على استثمار موقعها داخل مجلس الأمن للمناورة أو الضغط عند الحاجة، ليس من موقع الفرض، وإنما من موقع التذكير بأنها ما زالت حاضرة في معادلة التوازنات.

ما تسعى موسكو إلى طرحه أمام إسرائيل في هذه المرحلة لا يتجاوز محاولة تثبيت موضع قدم سياسي على خطوط التأثير الجديدة في سوريا، من خلال الإيحاء بأنها قادرة على لعب دور موازِن لا يربك الحسابات الإسرائيلية، ولا يتصادم مع الوقائع التي فرضتها تل أبيب عسكرياً. فروسيا، بعد أن فقدت أدوات السيطرة المباشرة، تحاول أن تُعيد تقديم حضورها كفاعل يمكن التفاوض معه، لا بالضرورة الوثوق به.

أخبار ذات علاقة

جهاز الأمن الداخلي في درعا

إسرائيل تُمهل سوريا أسبوعين لسحب قوات الأمن والسلاح من درعا

في المقابل، تسعى موسكو إلى ضمان موقع سياسي لها في التوازنات الإقليمية الجديدة من خلال تفاهم غير معلن مع تل أبيب، يقوم على الاعتراف الضمني بوجودها كفاعل لا يمكن تجاوزه، وعلى تجنّب الدفع نحو تهميشها في المحافل الدولية، مع الحفاظ على قنوات تواصل مفتوحة تُجنّب الطرفين الصدام أو الإقصاء المتبادل في لحظة إعادة تشكيل خرائط النفوذ، بحسب حديث النجار.

في المحصّلة، لا يبدو أن ما يجمع موسكو وتل أبيب اليوم هو تحالف بالمعنى التقليدي، ولا خصومة مؤجلة، بقدر ما يكون تقاطع مصالح يُبنى على حسابات باردة. فمع انهيار التفاهمات القديمة وتبدّل ملامح التوازن في سوريا، يجد الطرفان نفسيهما أمام فرصة لإعادة تنظيم العلاقة وفق منطق الضرورة. وقد يكون الاتصال الأخير بين بوتين ونتنياهو هو أول خيط في شبكة تفاهمات أوسع، تتبلور تدريجياً وتُعيد رسم حدود الحضور الروسي وشكل التأثير الإسرائيلي، كلٌّ وفق موقعه وأدواته في سوريا الجديدة.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC