بدأ ملف السلاح خارج إطار الدولة في العراق يتحول إلى مسار جديد، وتُعاد صياغته داخل منظومة الميليشيات نفسها، عبر قرارها الأخير بإمكانية تسليم سلاحها، والانتقال للعمل ضمن المؤسسات الرسمية.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تسعى فيه الدولة العراقية إلى بناء مقاربة متعددة المستويات لحصر السلاح، تبدأ من إعادة تعريف المؤسسات الرسمية، ولا تنتهي عند ضبط الميليشيات المسلحة، بل تمتد إلى إعادة هيكلة القرار الأمني، وتوحيد مراكز القوة، وهو مسار يرى مراقبون أنه "مفخخ" لارتباطه بأكثر من مركز نفوذ.
وفي هذا الإطار، قال الباحث في الشأن السياسي، علي ناصر، إن "الدولة اليوم أمام استحقاق مختلف عما سبق، فعدد من القوى التي كانت تعمل ضمن أطر فصائلية باتت ممثلة داخل البرلمان، وأصبحت مطالبة بالانتقال من منطق القوة إلى منطق التشريع والخدمة".
وأضاف ناصر، لـ"إرم نيوز"، أن "التغيرات الجيوسياسية في المنطقة فرضت أولويات جديدة، جعلت العمل السياسي هو المسار الأبرز لدى كثير من هذه القوى، بالتوازي مع القبول العام بمبدأ حصر السلاح بيد الدولة، ضمن سياق أوسع لإعادة تنظيم المشهد الداخلي".
ويبدو أن الحكومة العراقية تتحرك في هذا المسار عبر عدة بوابات مستترة، أبرزها البوابة القانونية، إذ دخل رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، على خط مسار نزع أسلحة الفصائل، عبر ترحيبه بإعلان 4 ميليشيات رغبتها بتسليم أسلحتها.
وحتى الآن، لم تصدر الحكومة العراقية موقفاً رسمياً واضحاً بشأن مسار نزع أسلحة الميليشيات، في وقت تشير فيه المعطيات إلى أن بغداد تتجنب الخوض العلني في هذا الملف الحساس، مفضلة ترك التطورات تجري داخل البنية التنظيمية للميليشيات نفسها، ضمن مقاربة تهدف – وفق مراقبين - إلى احتواء التحولات الجارية دون فتح مسارات صدام أو إعلان مواقف قد تُقيّد خيارات الدولة لاحقاً.
في هذا السياق، يرى الباحث والأكاديمي حيدر الجوراني، أن "ما يجري داخل الدولة لا يقتصر على ملف نزع السلاح، بل يشمل إعادة تشكيل العلاقة بين السياسة والأمن".
وأوضح الجوراني، في حديث لـ"إرم نيوز"، أن "المرحلة الحالية تشهد إعادة تموضع داخل الإطار السياسي الحاكم، مع دخول قوى جديدة إلى مراكز التأثير، وتراجع الاعتماد على أدوات القوة لصالح أدوات التمثيل النيابي والتحالفات النيابية".
وترغب واشنطن عبر سلسلة تصريحات لمسؤولين أمريكيين، بتعامل العراق مع ملف السلاح ضمن تصور أوسع للأمن الوطني، يأخذ بالحسبان الضغوط الخارجية، ولا سيما تلك المرتبطة بالاقتصاد والعقوبات والتعاملات المصرفية.
وتنظر واشنطن، إلى ملف السلاح خارج سيطرة المؤسسات الرسمية العراقية، باعتباره عاملا مباشرا يؤثر في الاستقرار المالي، وثقة النظام المصرفي الدولي، وحركة الاستثمار.
ولغاية الآن، لم تتضح معالم الخطوة الجديدة للميليشيات العراقية، ولا الآليات التي ستُعتمد في حال المضي بدمجها، سواء عبر إعادة تنظيمها ضمن هيئة الحشد الشعبي، أو من خلال إدخال عناصرها في مؤسسات أمنية أخرى، في ظل غياب إعلان رسمي يوضح المسارات التنفيذية والضوابط القانونية المرتبطة بهذه العملية.
وقال أبو ميثاق المساري، وهو عضو في منظمة بدر، عبر تصريح متلفز، إن سلاح الفصائل "سيبقى خلف الباب"، مشيراً إلى أن منتسبي هذه المجاميع سيعودون إلى مزاولة أعمالهم، سواء في وظائف الدولة أو في أعمالهم الخاصة، من دون التطرق إلى مسألة دمجهم ضمن هيئة الحشد الشعبي.
ومنذ تغيير نظام صدام حسين عام 2003، عانت الدولة العراقية من مأزق الميليشيات، التي تمدد نفوذها خارج الأطر الرسمية، وفرضت واقعاً أمنياً وسياسياً معقداً، إذ تشير معطيات متعددة إلى أن عدداً من هذه الميليشيات يرتبط بعلاقات سياسية وعقائدية مع إيران، وهو ما أسهم في تعقيد ملف حصر السلاح، وربطه بتوازنات إقليمية تجاوزت حدود الداخل العراقي.