مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان

logo
العالم العربي

هل يرسم سلاح الميليشيات خريطة النفوذ الانتخابي في العراق؟

دعاية انتخابية في العاصمة العراقية بغدادالمصدر: Getty

يستعد العراق لإجراء سادس انتخابات برلمانية بعد عام 2003، والمقررة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الحالي، في أجواء مختلفة عن جميع الدورات السابقة، حيث تأتي وسط تصاعد الجدل حول ملف "سلاح الفصائل المسلحة" وضرورة حصره بيد الدولة.

والانتخابات، التي دعا الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، أنصاره إلى مقاطعتها، تأتي في لحظة تتزامن مع نقاش متصاعد حول دور الفصائل المسلحة المنضوية ضمن "الحشد الشعبي" في العملية السياسية.

ويرى مراقبون أن سلاح الفصائل، الذي أفتى له المرجع علي السيستاني عام 2014 لمحاربة تنظيم "داعش" وأعلن لاحقاً زوال مبرر وجوده وحصره بيد الدولة، قد تحول من أداة مقاومة إلى ورقة نفوذ سياسي تُستخدم لترجيح الكفة الانتخابية ورسم خارطة المشهد السياسي العراقي.

 اختبار للدولة

ويرى المحلل السياسي الدكتور صباح الخزاعي المقيم في العاصمة البريطانية لندن، أن قضية سلاح الفصائل العراقية المسلحة التابعة للإطار التنسيقي الشيعي مثل كتائب حزب الله، عصائب أهل الحق، منظمة بدر، وكتائب سيد الشهداء، تُعد من أبرز التحديات السياسية والأمنية في الانتخابات المُقبلة.

أخبار ذات علاقة

ملصقات انتخابية في بغداد لعدد من المترشحين

استبعاد 800 مرشح من السباق الانتخابي يثير أزمة في العراق

ويضيف لـ"إرم نيوز"، أن هذه الفصائل أصبحت جزءاً من المعادلة السياسية، بل ومن أدوات الدعاية الانتخابية، مشيراً إلى أن تحالفات مثل الفتح وعطاء والإعمار والتنمية تمثل الأذرع السياسية لتلك الفصائل، وتستخدم سلاحها كضمانة ميدانية ونفوذ انتخابي.

ويبيّن الدكتور الخزاعي أنه يشارك في الانتخابات المقبلة أكثر من 7700 مرشح عبر 31 تحالفاً و38 حزباً، بوجود 21 مليون ناخب و8700 مركز اقتراع، مضيفًا أن ما يثير القلق هو ما وصفه بضعف تنفيذ مفوضية الانتخابات لقرار منع مشاركة الأحزاب ذات الأجنحة المسلحة، وهو ما يفتح الباب أمام شبهات الترهيب والتزوير.

ويؤكد أن الانتخابات المقبلة ستكون اختباراً لمدى قدرة الدولة على فرض هيبتها في وجه السلاح المنفلت، محذراً من أن استمرار نفوذ الفصائل المسلحة يعني أن العملية الديمقراطية ستظل رهينة إرادة السلاح لا إرادة الناخب.

ووفق الخزاعي فإن هناك انقساماً حاداً بين معارضين ومستفيدين، والمشهد الانتخابي العراقي ينقسم بوضوح إلى محورين: الأول يطالب بحصر السلاح بيد الدولة، ويمثله التيار الصدري (في حال قرر العودة للمشاركة) إلى جانب القوى المدنية وتحالف القوى الديمقراطية وبعض الأحزاب الكردية والسنية، مثل تقدم بزعامة محمد الحلبوسي، وهذه الأطراف ترى في السلاح عقبة أمام نزاهة الانتخابات وتهديداً مباشراً للعملية الديمقراطية.

أما المحور الثاني، بحسب الدكتور الخزاعي، فهو القوى المستفيدة من الوضع القائم، وعلى رأسها أحزاب الإطار التنسيقي مثل منظمة بدر والنجباء وحركة عطاء، التي تعتبر السلاح ضمانة أمنية ووسيلة لحماية المكتسبات السياسية، فضلاً عن كونه رادعاً ضد أي تدخلات خارجية محتملة من الولايات المتحدة أو إسرائيل.

ويتابع بالقول إن مفوضية الانتخابات سبق وأن أعلنت بعدم جواز مشاركة الأحزاب ذات الأجنحة المسلحة، لكن التنفيذ ضعيف، مما يُثير مخاوف من تزوير أو اغتيالات، وهناك قناعة لدى شريحة كبيرة بعدم جدوى الانتخابات طالما أن الأمر محسوم لأحزاب إيران وميليشياتها.

 وينوه الدكتور الخزاعي إلى أن هناك مخاوف من انتخابات السلاح المنفلت، حيث تُتهم فصائل مثل بابليون بشراء بطاقات ناخبين في نينوى (بـ300 ألف دينار للبطاقة)، وفرض إتاوات، أو منع بناء منازل في سنجار وسهل نينوى، وتسعى الفصائل لتوسيع النفوذ، مما يُهدد الأقليات.

 كما أن هناك مخاوف جراء الاغتيالات السياسية التي ترعب المرشحين من المعارضين لسطوة الميليشيات أو إبعاد المرشحين المخضرمين من سباق الانتخابات من قبل المفوضية المتهمة بأنها خاضعة لسطوة الميليشيات.

أخبار ذات علاقة

لافتات لمرشحين في الانتخابات العراقية

تسجيل مئات المخالفات يفاقم انفلات المشهد الانتخابي في العراق

 وذكر الدكتور الخزاعي أنه يمكن أن تُؤجل هذه الانتخابات في آخر لحظة إذا تصاعدت التوترات الإقليمية كالحرب على إيران من جهة أمريكا وإسرائيل، وكل الاحتمالات مفتوحة للتشكيك بنتائج الانتخابات وعدم شرعيتها، لأن الإدارة الأمريكية عازمة على تقليص نفوذ إيران في المنطقة عبر محاصرة أذرعها وتحجيم دورها قبل الضربة القاصمة لنظام الحكم في طهران.

وبين دعوات الإصلاح وواقع السلاح، يظل العراق كما يصفه الخزاعي في قلب معركة تحديد هويته المستقبلية، هل هو دولة مواطنة، أم ساحة صراع بالوكالة؟

الدولة الموازية

من جهته يذهب المحلل السياسي رعد هاشم، المقيم في العاصمة الأردنية عمّان، بالقول إن القانون العراقي واضح في حظر مشاركة الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة، لكن الواقع يشهد قفزاً على الحقائق.

ويضيف لـ"إرم نيوز"، أن المفوضية العليا للانتخابات والقضاء يتغاضيان عن هذا الخرق بذريعة مشاركة الفصائل في محاربة داعش، وكأن تلك المشاركة تخولها امتلاك شرعية سياسية دائمة.

 ويشير المحلل هاشم إلى أن هناك دعاوى قضائية رُفعت أمام المحكمة الاتحادية للطعن في مشاركة هذه الأحزاب، لكنها لم تُبت حتى الآن، بينما تستمر الدعاية الانتخابية على قدم وساق. 

ويتابع قائلاً: الولايات المتحدة ودول غربية تضغط على الحكومة العراقية لإبعاد الجماعات المسلحة من المنافسة الانتخابية، لكن الاستجابة الرسمية ما تزال خجولة، إذ لا تملك الحكومة القدرة على مواجهة هذه الفصائل التي أصبحت جزءاً من بنية السلطة.

ويحذر المحلل هاشم من أن الميليشيات باتت تتوسع حتى في المناطق السنية، مثل الموصل وصلاح الدين والأنبار، حيث تمارس ضغوطاً على الناخبين وشراء أصوات عبر الإغراءات أو التهديدات، مضيفاً أن هذا الواقع قد يقود إلى برلمان تهيمن عليه قوى السلاح مجدداً، ما يعني تكريس الدولة الموازية.

وتزداد المخاوف من أن يتحول موسم الانتخابات إلى ساحة لتصفية الخصوم، خصوصاً بعد اغتيال المرشح صفاء الحجازي في انفجار عبوة لاصقة شمالي بغداد، حيث أثار الحادث موجة استنكار واسعة وفتح الباب مجدداً أمام التساؤلات حول أمن العملية الانتخابية وقدرة الحكومة على حماية المرشحين.

ويرى مراقبون أن الاغتيالات السياسية تمثل الوجه الآخر لسيطرة السلاح، إذ تستخدم لترهيب المنافسين وإقصاء الأصوات المستقلة، وهو ما يهدد بتقويض شرعية الانتخابات قبل أن تبدأ.

وبينما تُظهر الحكومة العراقية رغبة في التوازن بين الطرفين، يظل القرار الحقيقي رهين موازين القوى على الأرض، فالفصائل تمتلك نفوذاً داخل مؤسسات الدولة، وتشغل مناصب تنفيذية وأمنية، ما يجعل أي محاولة لتفكيكها محفوفة بالمخاطر.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC