ترامب يوقع أمرا تنفيذيا يجيز فرض عقوبات على دول متواطئة في احتجاز أمريكيين "بشكل غير قانوني"
أبلغت الولايات المتحدة بعثة سوريا في نيويورك، عبر مذكرة تم تسليمها من خلال الأمم المتحدة، بقرار تغيير وضعها القانوني، إذ لم تعد تُعتبر "بعثة دائمة لدولة عضو في الأمم المتحدة"، بل تحوّلت إلى "بعثة لحكومة غير معترف بها من قبل واشنطن".
وتضمّنت المذكرة أيضا تعديل نوع التأشيرات الممنوحة لأعضاء البعثة، حيث تم إلغاء تأشيرات G1 الخاصة بالدبلوماسيين التابعين لحكومات معترف بها، واستبدالها بتأشيرات G3، والتي تُمنح لممثلين أمميين لا تعترف الولايات المتحدة بحكوماتهم، وفقا لما ذكرت صحيفة النهار اللبنانية وأكده سوريون في أمريكا لاحقا.
وانقسمت آراء الخبراء والمحللين تجاه القرار الأمريكي، حسب خلفية المتحدث السياسية، بين من نفى ثم قلل من أهمية الإجراء باعتباره قرارا تقنيا، وهؤلاء من المحسوبين على السلطات الجديدة في دمشق، وبين من هلل للقرار من معارضي السلطة الجديدة، معتبرين أنه موقف واضح وصريح ضد الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، وأن ما بعده ليس كما قبله، وفقا لهؤلاء.
نفي ثم تأكيد
مسؤول السياسات في المجلس السوري الأمريكي، محمد علاء غانم، اعترف أن الولايات المتحدة بدأت بالفعل في تطبيق قرار تغيير نوع التأشيرات الممنوحة للدبلوماسيين السوريين في بعثة نيويورك، وذلك بعد محاولات نفي الخبر من أكثر من جهة.
وقال غانم في منشور على "فيسبوك"، إن "الدبلوماسيين السوريين أُخطِروا رسمياً بوجوب التقدّم لتأشيرات من نوع G3 بدلاً من G1"، موضحاً أن هذا لا يعني مطالبتهم بالمغادرة أو فرض قيود إضافية على تحركاتهم، بل هو إجراء قانوني يتماشى مع لوائح الهجرة والتأشيرات؛ لأن واشنطن لم تعترف بعد رسمياً بالحكومة السورية الجديدة.
ورأى غانم أن تغيير التأشيرات "لا يحمل طابعاً عقابياً أو سياسياً" على حد تعبيره، بل هو جزء من الإجراءات المتّبعة في التعامل مع الحكومات غير المعترف بها رسمياً، وأنه بمجرد اعتراف الولايات المتحدة بالحكومة الجديدة، سيتم استئناف منح تأشيرات G1 كما كان في السابق.
من جهته، اعتبر المتحدث السابق باسم الخارجية السورية الذي انشق في أواخر 2012 عن نظام الأسد، جهاد مقدسي، أن هذا الإجراء يحمل أبعادا تقنية أممية الطابع، لكنه يحمل أيضا دلالة سياسية مهمة. وأوضح أن لجنة أوراق الاعتماد في الجمعية العامة للأمم المتحدة هي التي راجعت وضع الوفد السوري، وخلصت إلى وجود شكوك قانونية في تمثيله للدولة السورية، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وأكد مقدسي أنه وبانتظار البتّ الرسمي بتمثيل سوريا الأممي من قِبل الحكومة الجديدة، فقد تم الطلب من أعضاء البعثة التقدّم بطلبات جديدة للحصول على إقامة، يُرجّح أن تكون بلا حصانة دبلوماسية، إلى حين تثبيتهم أو استبدالهم من قبل الإدارة السورية الجديدة.
تفاصيل القرار
يشرح أيمن عبد النور، المدير التنفيذي لمنظمة "مسيحيون من أجل الديمقراطية"، والذي يقيم في أمريكا، السياق الذي مر به القرار، ويبيّن أن الأمر بدأ من وزارة الأمن الداخلي الأمريكية، ومن الوزيرة كريستي نوم تحديدا، لمراجعة وضع العديد من الدول ولجميع أنواع التأشيرات التي تمنح لمواطني تلك الدول ومنها سوريا التي تم اقتراح وضعها على القائمة الحمراء.
وبالتوازي مع ذلك تقوم لجنة بدراسة أنواع الاستثناءات التي ستمنح لمواطني تلك الدول، وبحالة سوريا فإن الاستثناء يشمل البعثة السورية الدائمة في مقر الأمم المتحدة بنيويورك كون الولايات المتحدة هي البلد المضيف.
وعلى أساس أن القرار سبق تشكيل الحكومة الجديدة في سوريا، يقول عبد النور، إن اللجنة وجدت أن الحكومة السورية الانتقالية السابقة تعتبر بالنسبة لوزارة الخارجية الأمريكية امتدادا لهيئة تحرير الشام وأنها جسم إداري تابع لها فتُعامل مثلها ( مصنفة إرهابية في الولايات المتحدة)؛ لذلك لا يمكن الاعتراف بها رسمياً وبالتالي اقترحت اللجنة تغيير بند TYPE الفيزا "التأشيرة" الذي تقدمه الولايات المتحدة لأعضاء البعثة السورية بنيويورك من البند G1 الذي يحمله الديبلوماسيون السوريون حالياً والمخصص لأعضاء ( بعثة دائمة لدولة عضو لدى الأمم المتحدة معترف بحكومتها من البلد المضيف ) إلى بند G3 والذي يشمل ( المواطنين الأجانب المؤهلين أساساً للحصول على الفيزا G1، ولكن الولايات المتحدة لا تعترف بحكوماتهم ).
ويتابع عبد النور: "تمت الموافقة على الاقتراح من قبل وزارة الخارجية الأمريكية والتي أرسلت توجيهاً" كما ورد في نص البرقية، إلى البعثة الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، ظهر يوم الخميس 3 أبريل/ نيسان، حيث قامت بإبلاغ البعثة السورية مساء نفس اليوم، والتي قامت بإرسال برقية عاجلة للوزارة بدمشق تتضمن المذكرة التي استلموها من بعثة الولايات المتحدة مع شرح لما حدث. ويبين عدم اعتراف الولايات المتحدة بالحكومة الانتقالية السورية الجديدة, مع إشارة إلى أنه قد يتبع ذلك خطوات مماثلة لجهة عدم الاعتراف من قبل دول أخرى تشاطر الولايات المتحدة موقفها.
تقني سياسي
الخبير والمستشار القانوني في جامعة الشارقة، الدكتور سام دلة، يعلق على القرار الأمريكي من باب التقييم الأولي، مشيرا إلى أن الأيام القليلة القادمة ستوضح التفاصيل وتكشف المخبوء.
ويقول دلة، في تصريح لـ"إرم نيوز"، إن الأمر ليس تقنيا فقط كما يقول البعض؛ لأنه لو كان تقنيا فقط لكان من الممكن تأجيله لعدة أيام أو أسابيع، أو إعادة النظر في الموضوع في ضوء ما يجري من تطورات. وبالتالي فهو ليس قرارا تقنيا بالمطلق، وفي نفس الوقت ليس موقفا سياسيا بالمطلق؛ لأن الأمريكيين، وخاصة في عهد ترامب لا يخجلون من أحد، ويعبرون عن موقفهم من هيئة تحرير الشام أو من الحكومة الجديدة بلا تحفظ.
وبالتالي، يرى الدكتور سام دلة أن القرار خليط ما بين السياسي والتقني؛ تقني بعد قرار ترامب بالتعاطي مع بعض الدول أو رعايا بعض الدول، ولكن من جهة أخرى نحن هنا لا نتحدث عن أشخاص عاديين وإنما عن ممثلين دبلوماسيين؛ وبالتالي فإن القرار يحتوي موقفا سياسيا، ويحمل رسالة سياسية واضحة تجاه السلطات السورية الجديدة. مؤكدا أنه لا يجب تبسيط القرار ولا التهويل بآثاره بنفس الوقت.
على خطى "طالبان"
الكاتب والمحلل السياسي السوري، مازن بلال، شبّه، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، المقاربة الأمريكية الجديدة تجاه سوريا بقرار مماثل اتخذته واشنطن تجاه "طالبان". مضيفا أنه "بخلاف ما كان يحدث في أفغانستان، فإن سوريا تواجه شكلا دبلوماسيا غير مسبوق، فهناك اعتراف إقليمي بحكومتها، وانفتاح أوروبي محدود مقابل إصرار أمريكي على إحالة ملفها إلى الأمم المتحدة لتطبيق القرار 2245".
ويقول الكاتب السوري إنه "على الرغم من تبدل الظروف الخاصة بالقرار بعد رحيل سلطة البعث، لكن واشنطن ترى فيه المساحة التي يمكن فيها إيجاد تنوع سياسي في سوريا".
ويوضح أن التصريحات الأمريكية تجاه السلطة السورية الجديدة كانت كلها حذرة، وهذا الأمر ليس موقفا سياسيا عابرا؛ بل ينقل اتجاه الدولة العميقة التي تملك تجربة طويلة مع الحكم في أفغانستان، ابتداء من رعايتها قيادات الفصائل التي حاربت السوفييت ووصولا إلى غزو أفغانستان بعد أحداث 11 أيلول، وإذا كان نموذج طالبان محصورا في جغرافيا خاصة فإن الوضع في سوريا مختلف نوعيا.
ضبط "صراع المحاور"
ويشير المحلل السياسي السوري إلى أن واشنطن لا تحاول ترك التوازن في سوريا لتجاذب النفوذ الإقليمي، فهناك تحركات إسرائيلية، يصعب فصلها عن الرؤية الأمريكية، تحاول عرقلة أي نموذج جديد لتحالفات سوريا – تركيا، وفي المقابل فإن احتمال انفجار الوضع في سوريا سيفتح احتمالات كثيرة يصعب ضبطها خصوصا أن منظومة الشرق الأوسط انهارت كليا مع انحسار الدور الإيراني وانتهاء ما يسمى "محور المقاومة".
أما العامل الثاني وفقا لبلال، فهو هشاشة الوضع السوري، "فإذا كانت واشنطن قد تحركت لترتيب العلاقة بين دمشق و"قسد" فإن هذا الأمر لا يعني سوى تبريد الأجواء لمنع مزيد من الاشتباكات، ولكسر حدة الارتباط بين أنقرة ودمشق" وفق تقديره.
ويختم بلال بأن "القرار الأمريكي سيُعقِّد الوضع السوري، وسيجعل من الصعب استخدام الهامش السياسي العريض الذي يميز المراحل الانتقالية، وهذا يجعل الطريق نحو القرار 2245 أكثر سهولة، ولكن الوصول إلى توازن سوري داخلي لتنفيذ هذا الأمر ما زال صعبا.