الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"

logo
العالم العربي
خاص

من الردع الأمني إلى محاصرة النفوذ.. واشنطن تصعّد ضغوطها لتحييد حزب الله

علم لبنان بجوار مبنى متضررالمصدر: رويترز

انتقلت لهجة واشنطن تجاه لبنان، في تطور سياسي ومالي بالغ الحساسية، من الضغط السياسي إلى فرض أمر واقع مالي غير قابل للتفاوض.

فزيارة وكيل وزارة الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، جون هيرلي، حملت ما وصفته مصادر لبنانية مطلعة بأنه "أوضح إنذار حتى الآن" في الحملة الدولية لمحاصرة ميليشيا "حزب الله" اقتصادياً وتقليص نفوذها المتنامي عبر شبكات مالية متشعبة تمتد من الضاحية الجنوبية إلى شركات صرافة مرخصة وغير مرخصة في مختلف أنحاء البلاد.

أخبار ذات علاقة

وكيل الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية جون هيرلي

حملها جون هيرلي.. واشنطن تطالب لبنان بـ 3 إجراءات لمحاصرة حزب الله ماليا

لحظة مفصلية

تزايد الضغوط الدولية على الحزب لم يعد يقتصر على التصريحات السياسية أو التصنيفات الأمنية، بل اتخذ منحى عملياً مباشراً عبر أدوات مالية تستهدف البنية الداخلية التي يستخدمها لتوسيع نفوذه الاقتصادي داخل لبنان.

وفي وقت تسعى الدولة اللبنانية إلى إعادة ترميم علاقتها مع المؤسسات الدولية، تبرز إشارات واضحة من واشنطن بأن استمرار هذا النموذج المزدوج في السيطرة ـ بين ما هو رسمي وما هو فعلي ـ لم يعد مقبولاً على المستوى المالي.

التحركات الأخيرة تعكس تحولاً لافتاً في المقاربة الأمريكية، حيث لم يعد التركيز مقتصراً على البنية المسلحة للحزب فقط، إذ يمتد إلى شبكات التمويل والغطاء المؤسساتي الذي تستفيد منه.

وبهذا المعنى، دخل لبنان عملياً في لحظة مفصلية، فإما أن تعيد الدولة ضبط التوازن داخل مؤسساتها، أو تواجه تبعات مالية أعمق لا يمكن احتواؤها بخطابات سياسية.

معادلة واضحة

وقال مصدر دبلوماسي أمريكي لـ"إرم نيوز"، إن زيارة وفد الخزانة الأمريكية إلى بيروت جاءت لتثبيت معادلة واضحة ومباشرة أمام الدولة اللبنانية، فإما أن تبدأ الإجراءات من داخل المؤسسات، أو أن يبدأ العزل من خارجها.

وأضاف المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن ما قُدّم للمسؤولين اللبنانيين كان خريطة طريق قابلة للقياس، تتضمن مؤشرات دقيقة ومرقّمة لما هو مطلوب على مستوى ضبط التحويلات النقدية، وآليات التحقق من مصادر الأموال، وإغلاق المسارات التي يستغلّها حزب الله للتهرب من الرقابة المالية الدولية.

وأكد أن الوفد حصر الموقف الأمريكي في نقطة رئيسة متمثلة بحماية النظام المالي من التداخل بين الرسمي وغير الرسمي.

وهذا التداخل، بحسب المصدر، بات اليوم العامل الأخطر الذي يهدد ما تبقى من قدرة لبنان على التحرك اقتصادياً، حتى في أبسط معاملاته البنكية الخارجية.

وقال إن "اللقاءات عكست للمرة الأولى فهماً مشتركاً بين واشنطن وبعض المستويات الإدارية اللبنانية حول خطورة استمرار هذا التداخل المالي، حتى لو لم تُعلن كل الجهات السياسية ذلك؛ هناك من بات يُدرك أن استمرار الصمت عن منظومات المال الموازية يعمّق عزل لبنان دولياً".

نقطة جوهرية

وفي سياق مواز، أضاف المصدر: "لم يُطلب من بيروت اتخاذ مواقف سياسية أو إجراءات عقابية، بل البدء بخطوات مالية واضحة تُثبت أن هناك دولة قادرة على تنفيذ التزاماتها، وأن التعامل مع الدولار أو مع أي عملة أجنبية لن يكون متاحاً لمن يُدير المال كأداة نفوذ".

وشدد المصدر على أن "النقطة الجوهرية التي تم تأكيدها هي أن لا نية لدى واشنطن لاستهداف بيئة أو طائفة أو مكوّن لبناني، بل إن التعامل المالي مع حزب الله بات يُقرأ ضمن سياق تمويل يمتد خارج الحدود، ويتقاطع مع ملفات ذات أولوية أمنية للولايات المتحدة".

كما كشف أن الوفد "لم يُغلق الباب أمام الدعم مستقبلاً، بل قالها صراحة: الإجراءات التي تُتخذ خلال الأسابيع المقبلة، هي التي ستُحدّد شكل علاقة لبنان مع النظام المالي العالمي خلال العام المقبل".

وختم المصدر بالتأكيد أن "الرهان على الوقت أو على تعاقب الإدارات الأمريكية لم يعد مفيداً، لأن المسار الذي بدأ لا يتغير بتغيّر الأسماء، بل يُبنى على وقائع. وأمام بيروت الآن فرصة لتثبيت أنها ما زالت تملك قرارها المالي، حتى إن كانت خياراتها السياسية معقّدة، وهذه الفرصة لن تبقى مفتوحة إلى ما لا نهاية".

شبكة تمويل حزب الله

 

التعامل بواقعية

في حين قال مصدر سياسي لبناني، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، إن الدولة اللبنانية تعاملت مع زيارة وفد وزارة الخزانة الأمريكية الأخيرة بمنتهى الجدية، وإن الاتصالات الرسمية اتخذت طابعاً عملياً هدفه الأساسي "احتواء المسار المتصاعد دولياً نحو التشكيك بسلامة النظام المالي اللبناني ككل".

وأضاف المصدر أن المسؤولين اللبنانيين تعاطوا مع الرسائل الأمريكية كفرصة لتصحيح مسارات قائمة، مؤكداً أن هناك وعياً داخل الحكومة بأن "استمرار الغموض في بعض النقاط المالية سيؤدي إلى تحميل الدولة تبعات لا تملك القدرة على تحملها في هذه المرحلة الدقيقة".

وأوضح أن "المطلوب من الدولة ليس الدخول في مواجهة مع أي طرف داخلي، بل إثبات أنها صاحبة المرجعية في كل ما يتعلق بالضوابط المالية، وأنها قادرة على الفصل التام بين المؤسسات الرسمية وأي شبكات موازية قد تكون عرضة للاشتباه أو الملاحقة".

وفي ما يتعلّق بالخطوات المنتظرة، أشار المصدر إلى أن "عدداً من الجهات الرقابية، سواء في مصرف لبنان أو في الهيئات القضائية والمالية المختصة، سيبدأ بمراجعة بعض الملفات المرتبطة بقطاع الصرافة والتحويلات المالية، وذلك في محاولة لقطع الطريق على أي فرضية قد تُستخدم لتبرير عقوبات شاملة".

ولفت إلى أن الدولة "لا تملك ترف الوقت أو المجادلة الإعلامية، لكنها في الوقت ذاته حريصة على أن لا تتحوّل أي ضغوط خارجية إلى أداة للاصطفاف الداخلي أو لتفجير الانقسامات".

وأوضح أن "هناك قناعة لدى معظم الأطراف أن الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار يتطلب تهدئة داخلية متزامنة مع خطوات إصلاحية قابلة للقياس".

وحول ما إذا كان لبنان يملك هامشاً حقيقياً للاستجابة دون الدخول في أزمة داخلية، أجاب المصدر: "ما يُطلب من الدولة في هذه المرحلة هو تخفيف مساحة الالتباس، وتفكيك الاشتباه بهدوء، وإعادة ضبط بعض المسارات المؤسسية، لا اتخاذ قرارات جذرية قد لا تكون ممكنة أو واقعية في اللحظة الراهنة. وهذا التوازن دقيق، لكنه ممكن، إذا تم تحييد المؤسسات عن الحسابات السياسية وترك لها المجال للعمل وفق صلاحياتها".

رسائل أمريكية

من جانبه، قال المحلل السياسي الأمريكي المتخصص في قضايا الجماعات المسلحة والنفوذ الإيراني، جوناثان شانزر، إن زيارة وفد وزارة الخزانة الأمريكية إلى بيروت كانت تتويجاً لمسار تصاعدي في سياسة واشنطن تجاه حزب الله، يقوم على نقل المواجهة من منطق الردع الأمني إلى محاصرة النفوذ داخل البنية المؤسساتية اللبنانية.

وأضاف، لـ"إرم نيوز"، أن الحزب بات يقدّم نفسه داخل لبنان كجزء من الدولة حين يقتضي الأمر، وخارجها حين يتعلق بالمحاسبة، وهو ما لم يعد مقبولاً من وجهة نظر المؤسسات الأمريكية التي تُشرف على تدفقات الأموال والمساعدات في المنطقة.

وأوضح شانزر أن السياسة الأمريكية الجديدة ترسم خطوطاً حمراء واضحة: "لا يمكن لدولة أن تطلب تسهيلات مالية من النظام الدولي، وفي الوقت ذاته تسمح بمسارات مالية خارج الرقابة تُستخدم لتمويل كيانات مسلحة".

وأشار إلى أن الضغوط الحالية لا تهدف إلى إسقاط الحزب سياسياً أو تعطيل الداخل اللبناني، بل إلى فصل ما هو لبناني خاضع للقانون، عمّا هو مرتبط بمشروع خارج السيطرة.

ويرى أن الكرة الآن في ملعب الحزب، وليس الدولة اللبنانية فقط، لأن التوجه الدولي بات يُدرك تماماً التوازنات المعقّدة في الداخل، لكنه في الوقت نفسه لم يعد يقبل بوجود منظومة موازية تُملي شروطها على الاقتصاد والأمن والدبلوماسية في آن معاً.

وحذّر شانزر من أن التصعيد الأمريكي في هذا المجال مرن لكنه متدرج، وقد يشمل مستقبلاً مؤسسات وشركات وأفراداً يتعاملون مع بيئة الحزب المالية، حتى إن لم يكونوا جزءاً منه بشكل مباشر.

أخبار ذات علاقة

صورة كبيرة، للزعيم الحالي لحزب الله نعيم قاسم، قرب صورة لحسن نصر الله خلال إحياء الذكرى الأولى لاغتيال الأخير وقادة آخرين للجماعة، في بلدة دير قانون النهر قرب صور بجنوب لبنان، 27 سبتمبر 2025.

مسؤول أمريكي: مفتاح استقرار لبنان إنهاء نفوذ إيران

 

تصحيح مدروس

بدوره، رأى الباحث الاقتصادي والمحلل المالي اللبناني، مازن سويد، أن التحدي الأكبر الذي تطرحه التحركات الأمريكية يكمن في توقيت الرسائل المالية وخطورتها على ما تبقّى من الهامش النقدي في لبنان.

وأوضح، لـ"إرم نيوز"، أن الربط بين الإصلاح ونزع السلاح ليس جديداً في الخطاب الدولي، لكنه اليوم يُطرح من زاوية تنفيذية مباشرة تمسّ آليات العمل المالي اليومية، من الصرافة، إلى الحوالات، والتدقيق، وتحويلات الدولار، والعلاقة مع النظام البنكي العالمي.

وقال سويد إن الدولة اللبنانية تجد نفسها في موقف بالغ الحساسية، فهي مطالبة بالاستجابة دون أن تُفجّر توازناتها الهشة، لكنها في المقابل لا تملك ترف التأجيل، لأن أدوات العزل المالي اليوم لم تعد تعتمد على العقوبات وحدها، إنما على تآكل الثقة وتباطؤ التدفقات واستنكاف المؤسسات عن التعامل.

وأضاف: "كلما تأخّرت الدولة في وضع قواعد تنفيذية واضحة، كلما ازدادت الفجوة بين الاقتصاد الرسمي والهامشي. وإذا استمرت هذه الفجوة، فإن التعافي لن يكون ممكناً حتى في حال وصول مساعدات أو اتفاقات دولية لاحقاً".

وشدد سويد على أن الخطر الحقيقي يتمثّل في اختلاط الهويات المالية داخل النظام اللبناني، موضحاً أن قدرة الدولة على حماية صورتها كمؤسسة مصرفية شرعية مرتبطة بقدرتها على إثبات أن لا طرف داخلي يستفيد من الاقتصاد دون أن يخضع للقانون.

واعتبر أن الوقت لا يزال مناسباً لـ"تصحيح تدريجي مدروس"، يبدأ من تعزيز استقلالية مصرف لبنان، وتفعيل الجهات الرقابية، ومنح القضاء المالي القدرة على التحرك دون عرقلة.

وختم بالقول: "ما يُطلب ليس مستحيلاً، لكن تنفيذه يتطلب قراراً واضحاً من داخل الدولة بأن الاقتصاد لم يعد يحتمل العبء السياسي الذي يراكمه السلاح خارج الشرعية".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC