شهدت محافظات عراقية عدة خلال الساعات الماضية موجة من العنف الانتخابي، تمثلت بمحاولة اغتيال وهجوم مسلح استهدف مرشحين ومكاتب انتخابية، في وقتٍ تستعد فيه البلاد لخوض الانتخابات التشريعية المقررة في الحادي عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
وخلال 24 ساعة فقط، سُجلت حادثتان منفصلتان؛ الأولى في محافظة البصرة حيث أبلغ المرشح عن ائتلاف دولة القانون أمجد طالب عن تعرضه لمحاولة اغتيال بإطلاق نار استهدف عجلته من قبل مسلحين مجهولين يستقلون سيارة من نوع "كراون" قرب منطقة أم قصر.
أما الثانية فشهدتها العاصمة بغداد، إذ أطلق النار في الهواء قرب مكتب أحد مرشحي كتلة صادقون التابعة لـ" ميليشيا عصائب أهل الحق" في حي العامل، من قبل شخص يستقل دراجة نارية نوع “تك تك”، من دون تسجيل إصابات.
وهذه الحوادث تأتي ضمن سلسلة اعتداءات متصاعدة منذ اغتيال المرشح صفاء المشهداني في قضاء الطارمية شمال بغداد منتصف الشهر الجاري بعبوة لاصقة استهدفت مركبته.
ومنذ ذلك التاريخ، تم تسجيل 6 حوادث مشابهة في محافظات بغداد، وكركوك، ونينوى، والبصرة، وميسان، شملت إطلاق نار وحرق مكاتب انتخابية أو مقرات مرشحين من كتل مختلفة أبرزها، الحسم، والسيادة، والعزم، ودولة القانون، وبدر، وصادقون، والحزب الديمقراطي الكردستاني.
وكشف مصدر في قيادة العمليات المشتركة العراقية أن "مؤشرات العنف الانتخابي بدأت بالتصاعد منذ نحو أسبوع، بعد تسجيل حوادث اعتداء على مقرات انتخابية وتمزيق الملصقات الدعائية في مناطق متفرقة من بغداد والجنوب والموصل، فضلًا عن تسجيل مضايقات وتهديدات لبعض المرشحين".
وأضاف المصدر، الذي طلب حجب اسمه، لـ"إرم نيوز"، أن "القيادة وجهت جميع القطاعات الأمنية برفع مستوى الجاهزية الاستخبارية والميدانية، وتكثيف انتشار الدوريات في المناطق التي تشهد تنافساً انتخابياً حاداً”، مشيراً إلى أن "القوات الأمنية تعمل بتنسيق مباشر مع مفوضية الانتخابات لمراقبة الحملات الميدانية ومنع أي مظاهر ترهيب أو تسليح قرب المراكز والمكاتب الحزبية".
وأوضح المصدر أن “قيادة العمليات المشتركة رصدت نمطًا من الحوادث المتكررة يتركز على استهداف مرشحين يمثلون كتلًا مختلفة، ما يشير إلى أن بعض الاعتداءات قد تكون بدوافع سياسية أكثر منها جنائية".
وتحاول الحكومة العراقية، وفق بيانات رسمية، احتواء هذه الموجة من خلال خطة أمنية متكاملة وضعتها قيادة عمليات بغداد وباقي القيادات الميدانية، لتأمين مراكز الاقتراع ومكاتب المرشحين ومقار الأحزاب.
وتشمل الخطة – وفق بيانات رسمية - تعزيز الرقابة بالكاميرات، وإعادة توزيع نقاط التفتيش على الطرق الحيوية، ومضاعفة الانتشار الأمني في المناطق الحساسة، إضافة إلى التنسيق المستمر مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لتبادل المعلومات حول أي خروقات محتملة.
وفي هذا السياق، قال الخبير الأمني عماد علو، إن "حالات العنف واستخدام السلاح في هذه المرحلة التي تسبق الانتخابات مؤشر واضح على استمرار وجود السلاح خارج سيطرة الدولة، واستخدامه لأغراض سياسية تتعلق بالتنافس الانتخابي، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن والاستقرار الداخلي".
وأضاف، لـ"إرم نيوز"، أن "هذه الحوادث تكرس ظاهرة خطيرة تتمثل بتدخل الفصائل المسلحة في العملية السياسية، رغم أن الدستور العراقي نصّ صراحة على حظر تشكيل أي ميليشيات خارج إطار الدولة"، لافتًا إلى أن "اغتيال المرشح صفاء المشهداني وما تلاه من عمليات إطلاق نار واقتحام لمكاتب المرشحين، يعكس غياب الوعي الديمقراطي لدى بعض القوى المشاركة في الانتخابات".
وأشار علو إلى أن "المؤشرات الحالية تدل على احتمال تصاعد هذه الأحداث مع اقتراب موعد الاقتراع، ما لم تتخذ السلطات الأمنية إجراءات أكثر صرامة، وتتحرك السلطة التشريعية لتفعيل قانون الأحزاب ومنع استخدام السلاح أو المال السياسي في المنافسة الانتخابية”.
ويُنظر إلى هذه التطورات بوصفها اختباراً مبكراً لقدرة الحكومة العراقية على إدارة استحقاق انتخابي خالٍ من العنف، في ظل توترات سياسية متزايدة وصراع محتدم بين الكتل، الأمر الذي يجعل من الانتخابات المقبلة واحدة من أكثر المحطات حساسية منذ عام 2003.