ترامب يوقع أمرا تنفيذيا يجيز فرض عقوبات على دول متواطئة في احتجاز أمريكيين "بشكل غير قانوني"
تعرّض تصريح وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، من أن سوريا قد تكون على بعد أسابيع من الحرب الأهلية، إلى تأويلات متعددة، استند كثير منها إلى "المعنى المباشر"، بينما يربط مراقبون بين توقيت التصريح، وبدء التقارب بين واشنطن ودمشق.
يوم الثلاثاء، قال روبيو أمام جلسة استماع في مجلس الشيوخ إن التقييم الأمريكي، يرى أن سوريا على وشك "انهيار محتمل" و"حرب أهلية شاملة ذات أبعاد مدمّرة"، محذّراً من خطر "تقسيم البلاد".
ورغم الكلام المباشر في تصريح روبيو، إلا أن هناك تفسيراً يرى أن واشنطن تحاول تبرير تقاربها مع دمشق، بعد الإعلان "المفاجئ" للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب أثناء زيارته إلى الشرق الأوسط برفع العقوبات عن سوريا، كما التقى رئيس الإدارة الانتقالية في دمشق، أحمد الشرع، وهو ما قوبل بانتقادات في أوساط أمريكية.
كان تصريح وزير الخارجية بمثابة القول إن التحرك الأمريكي باتجاه دمشق الجديدة، جاء لمنع انزلاق البلاد إلى حرب أهلية جديدة مدمّرة، ربما تكون أشد ضراوة من الحرب السابقة، مع دخول أطراف جديدة إلى الصراع من الأقليات السورية، كالدروز الذين امتنعوا عن الخوض في الحرب السابقة.
كما قد يكون التصريح، بحسب مراقبين، بمثابة تسليط الضوء على جهود أطراف عربية وإقليمية تسعى إلى إعادة سوريا إلى المربّع الأول، من إيران مروراً بالعراق، انتهاء بحزب الله في لبنان، حيث لا تزال هذه الأطراف تحتفظ بـ "خلايا نائمة" داخل سوريا، مشابهة لما حدث في أحداث الساحل في مارس/ الماضي، عندما واجهت قوى الأمن السورية هجمات دامية من بقايا نظام بشار الأسد.
لكن المعنى المباشر في تصريحات روبيو، ليس مستبعداً تماماً، بحسب آراء أخرى، ترى أن أسباب اندلاع حرب أهلية في سوريا كامنة وظاهرة، من تململ الأقليات، إلى تعدد الجبهات المحتملة للصراع، إضافة إلى تزايد أعداد "اللاعبين" على الساحة السورية، من إيران وروسيا، إلى تركيا، ثمّ إسرائيل، وهو ما قد يعيد سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات، وليس لبناء الدولة.
ومنذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، لم تنقطع الحوادث الأمنية التي تنذر باندلاع صراع أهلي، بل إنها تكاد تكون شملت كل الأقليات، مع استبعاد المسيحيين. ففي الشمال والشرق هناك الوجود المركزي للمكوّن الكردي الذي يخوض مفاوضات شاقة مع الإدارة السورية الجديدة، رافضاً التخلي عن "شبه الدولة" التي يقيمها على ثلث مساحة البلاد.
في وسط وغرب البلاد، هناك بقايا نظام الأسد من الطائفة العلوية، التي خاضت قتالا ضارياً مع قوى الأمن السورية الجديدة في مارس الماضي، كما أن تقارير متعددة كشفت عن عن بدء روسيا إعادة ترتيب أوراقها هناك، واستدعاء أحد أبرز أذرع النظام المخلوع، اللواء سهيل الحسن، المعروف بلقب "النمر"، حيث تتعاظم الأنباء عن عودته في توقيت بالغ الحساسية.
وفي الجنوب السوري، هناك البؤرة الساخنة، في الوجود الدرزي المعارض بقوة للحُكم الجديد في دمشق، والرافض لتسليم السلاح، والذي خاض جولات متباعدة من المواجهات العسكرية المباشرة مع قوى الأمن في السويداء، حيث الوجود المركزي للطائفة، وفي ضواح جنوبية للعاصمة والتي تشهد حتى الآن مظاهر مسلحة مناوئة ومقلقة للسلطات الجديد.
كما يشكّل الدعم الإسرائيلي العلنيّ للدروز، بحسب مراقبين، دافعاً قوياً لدى القادة الدينيين والعسكريين للطائفة، للتمسك بحكم "انفصالي" كالذي لا يزال يتمتع به الأكراد في شرق والبلاد، وهو مايذكّر بتصريح روبيو الذي ركّز على التحذير من أن تقسيم البلاد "وشيك وغير مستبعد".
في الساحل السوري، هاجمت مجموعة كانت قد قاتلت إلى جانب "هيئة تحرير الشام" التي كان يقودها الشرع قبل حلها، قاعدتين روسيتين، ليأتي بيان للخارجية من موسكو، وعلى لسان الوزير سيرجي لافروف، محذراً من "تطهير عرقي" تقوم به "جماعات متشددة" في سوريا.
"هنالك عمليات قتل جماعي للناس على أساس جنسيتهم ودينهم"، قال لافروف، في تصريح يرى مراقبون أنه يلمّح لإمكانية تدخل روسي "جديد" في سوريا، لكن هذه المرة لحماية الطائفة العلوية.
وتؤوي قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية لاجئين علويين فروا من قراهم بعد هجمات مارس/ آذار الماضي، التي شنتها "مجموعات منفلتة" كما قالت الحكومة السروية، وأودت بحياة 1500 علوي، وفق تقدير المرصد السوري لحقوق الإنسان.
لكن رغم كل ما قد يُصنّف على أنه من "مقدمات" نشوب حرب أهلية جديدة، إلا أن ثمة آراء تستبعدها لعدة عوامل، أهمها "فائض القوة" الذي تتمتع به القوات السورية الجديدة التي تشكّلت من عشرات الفصائل المنحلة، وهي كتلة عقائدية منسجمة أظهرت قوة كبيرة في الحرب التي أسقطت نظام بشار الأسد في 12 يوماً.
والعامل الثاني، الاختلاف الواضح بين طرفي الصراع بين الحربين السابقة و"المفترضة"، ففي الأولى ثار المكوّن السني، وهو الأكبر في البلاد ويشكل نحو 77% من عدد السكان، بينما ستواجه هذه النسبة أقل 25% المتبقية مع توقع عدم انخراط أقليات في الصراع.
ومن ضمن العوامل، لا يمكن إغفال الرعاية التركية الكاملة للإدارة السورية الجديدة، وهي مثلاً قد تشكل عامل ردع "حاسم" ضد محاولة التمرد الكردي، الذي بات يواجه تحديات وجودية مع حل المرادف التركي له، حزب العمال الكردستاني، فيما الجنوب الدرزي رغم تماسكه الظاهر، إلا أنه يواجه انقسامات عسكرية ومجتمعية، خصوصاً تجاه التعامل مع "الرعاية" الإسرائيلية.
وتبقى "براغماتية" الزعيم السوري الجديد أحد أهم عوامل "إطفاء" أي شرارة للحرب، والتراجع عن أي تصادم مع أي أقلية، فهو يتحرك بديناميكية عالية لترسيخ حكمه، وكسب القبول العربي والإقليمي والدولي، وقد حقق فريقه الدبلوماسي نجاحات كبيرة وصلت إلى البيت الأبيض في أقصى غرب العالم، كما أنها تمدّ يديها نحو أقصى الشرق إلى الصين.