هيئة البث نقلا عن مصدر مقرب من نتنياهو: إسرائيل مستعدة لوقف احتلال غزة إذا عُرضت عليها صفقة حقيقية
تشهد سوريا مرحلة حرجة تتزايد فيها الانقسامات الداخلية، مع تصاعد مخاوف الأقليات الدينية والإثنية من التوجهات التي تحملها الحكومة المركزية والرئيس أحمد الشرع، بحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وقال التقرير إنه بعد أقل من عام على سقوط نظام بشار الأسد وصعود قيادة سنية إسلامية وعدت بإعادة توحيد البلاد وإطلاق مسار الإعمار، تبدو الدولة اليوم وكأنها تنزلق نحو مزيد من التشرذم، مع اتساع رقعة التوترات وظهور مطالب متزايدة بالحكم الذاتي في مناطق عدة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الدعوات إلى الحكم الذاتي أو اعتماد نظام لا مركزي تتمدد في عدة مناطق سورية. ففي الجبال الجنوبية والغربية ذات الأغلبية الدرزية، وعلى الساحل المتوسطي الذي يضم الأقلية العلوية، وفي مناطق الشمال الشرقي الخاضعة لسيطرة القوات الكردية، يطالب سكان محليون بإعادة النظر في شكل إدارة الدولة، وصولًا إلى مطالب بالعزلة أو الانفصال.
ويقول نبيه قبّول، أحد أبناء بلدة عرنة: "بعد سقوط الأسد المدوّي، كان هناك الكثير من الأمل في سوريا جديدة. لكن للأسف، هذه المرحلة أسوأ مما كنا فيه".
هذه المطالب تمثل تحديًا مباشرًا لمشروع الرئيس الشرع الرامي إلى ترسيخ دولة مركزية قوية تُدار من دمشق، على غرار ما كانت عليه قبل الحرب الأهلية.
الشرع يرى أن المركزية هي الخيار الأمثل لضمان التنمية وإعادة الإعمار والحفاظ على "وحدة الأراضي السورية"، وهو مشروع يحظى بدعم شرائح واسعة من المواطنين إلى جانب حلفاء إقليميين بارزين تعهدوا بتقديم دعم مالي وسياسي كبير.
ولفت التقرير إلى أن تصاعد العنف يهدد بإفشال طموحات الحكومة. ويقول حايد حايد، الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "تشاتام هاوس": "كل أسبوع يصبح الوضع أكثر إثارة للقلق. الحكومة تسعى إلى هيكل مركزي قوي لاتخاذ القرارات بسرعة، لكن الواقع الميداني يسير في اتجاه معاكس".
وتعزو السلطات السورية الاضطرابات إلى بقايا النظام السابق أو إلى التدخلات الخارجية، وتحديدًا الإسرائيلية.
وقد نفذت القوات الإسرائيلية، التي تسيطر على مواقع حدودية قريبة، دوريات داخل الأراضي السورية، بما في ذلك محيط بلدة عرنة؛ ما زاد حدة التوترات وأجَّج الانقسام السياسي.
وفي الساحل السوري، يقول ضياء خير بيك، رئيس بلدية في منطقة جبلة، حيث ما زالت آثار مجزرة آذار حاضرة: "الخوف متبادل من الجانبين"، في إشارة إلى التوترات بين السكان العلويين والقوات الحكومية.
شهدت مدينة السويداء، ذات الغالبية الدرزية جنوبي سوريا، الشهر الماضي موجة عنف غير مسبوقة أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص، بينهم مدنيون قُتلوا على أيدي مقاتلين موالين للحكومة.
واليوم تعيش المدينة حالة حصار شبه كامل، مع انتشار الحواجز الأمنية ونقص حاد في المواد الغذائية والمياه، فيما يواصل السكان تنظيم احتجاجات متفرقة تطالب بحق تقرير المصير، بل وصل الأمر إلى مطالبة بعض المحتجين بتوفير حماية إسرائيلية، بعد أن قصفت تل أبيب مواقع عسكرية سورية أثناء المواجهات.
من جهته، قال توماس باراك، مبعوث إدارة الرئيس الأمريكي إلى سوريا، إن التطورات الأخيرة تستدعي مراجعة شاملة للنهج الحالي.
وأضاف: "ليس المطلوب فيدرالية، لكن صيغة تتيح للجميع الحفاظ على هويتهم وثقافتهم ولغتهم، دونَ تهديدٍ من التيارات المتشددة. أعتقد أن الجميع يدرك ضرورة اعتماد مقاربة أكثر واقعية".
الرئيس الشرع رفض علنًا أي حديث عن التقسيم. وقال في خطاب بثّته وسائل الإعلام الرسمية الأحد: "هناك رغبات لدى بعض الأطراف في تقسيم سوريا وخلق مناطق حكم محلي (كانتونات)، لكن منطقيًّا وسياسيًّا وعقلانيًّا، هذا أمر مستحيل".
وانتقد التدخلات الإسرائيلية في السويداء، متعهدًا بمحاسبة المتورطين في الانتهاكات التي رافقت المواجهات.
ومنذ توليه السلطة في كانون الأول، يواجه الشرع تحديات في إقناع الأقليات بصدق تعهداته بحمايتهم. فماضيه كقائد عسكري سابق في فرع تنظيم القاعدة في سوريا، إلى جانب تقارير عن انتهاكات ارتكبها مقاتلون محسوبون على سلطته، لا تزال تثير الشكوك.
ومع ذلك، حقق الرجل تقدمًا ملموسًا في المسار الدبلوماسي، عبر جذب استثمارات خارجية والمساهمة في تخفيف عزلة سوريا الدولية، لكن المحللين يحذرون من أن هذه الإنجازات لا تعالج جوهر الأزمة السياسية.
ويقول حايد: "فرض السيطرة بالقوة على كامل الأراضي السورية لا يحقق الاستقرار. بناء الثقة يتطلب وقتًا وجهدًا وحوارًا حقيقيًّا، وإلا فإن الأوضاع مرشحة لمزيد من التدهور".
ولفت التقرير إلى أن التوتر بين الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" في الشمال الشرقي لا يزال من أبرز الملفات الشائكة.
ورغم توقيع اتفاق في مارس/ آذار يقضي بدمج مؤسسات الإدارة المدنية والعسكرية التابعة لقسد ضمن مؤسسات الدولة، فإن الخلافات حول مستوى الحكم الذاتي عطلت تنفيذه.
وتفاقمت الأزمة مع استمرار الاشتباكات بين قسد وفصائل مدعومة من أنقرة، التي تعتبر قسد امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK).
وأثار مؤتمر رعته قسد في الحسكة هذا الشهر، دعا إلى إقامة نظام لا مركزي، ردود فعل غاضبة من دمشق، حيث اعتبر وزير الخارجية السوري أن المؤتمر "لا يمثل الشعب السوري" واتهم المشاركين بمحاولة "استغلال أحداث السويداء".
على الساحل السوري، معقل الطائفة العلوية، تتنامى مشاعر السخط تجاه الحكومة. فالكثير من أبناء الطائفة الذين ارتبطوا طويلًا بنظام الأسد يشعرون اليوم بخيبة أمل متزايدة.
كما عمّقت أحداث العنف التي شهدتها المنطقة في مارس/ آذار، والتي أودت بحياة ما لا يقل عن 1,400 شخص، الهوة بين السكان والسلطة، وسط تقارير أممية تؤكد أن مجازر طالت مدنيين على أساس طائفي، في كثير من الأحيان على أيدي قوات حكومية أو جماعات موالية لها.
في جبلة، يواصل خير بيك لعب دور الوسيط بين القوات الحكومية والسكان، رغم تعرض ممتلكاته للحرق واتهامه بالخيانة. ويقول: "تقسيم سوريا لن يحل مشاكلنا. نحن بحاجة إلى قمح الحسكة، وهم بحاجة إلى أسماك الساحل. نحن بحاجة إلى بعضنا البعض".
في بلدة عرنة، يتمسك السكان الدروز بانتمائهم الوطني وينفون الاتهامات بالسعي إلى تقسيم البلاد، إلا أن حالة الشكوك لا تزال حاضرة، خاصة بعد الدوريات الإسرائيلية المتكررة وسياسات الحكومة القمعية خلال أحداث السويداء.
ويشكو السكان من مضايقات عند الحواجز الأمنية ومن تمييز في المؤسسات الحكومية، بما في ذلك الجامعات والمستشفيات. ويقول حسين مسعود، أحد أبناء البلدة: "نحن قلقون… ونخشى المستقبل".
وختم التقرير بالقول، إن سوريا اليوم عالقة بين مشروع سلطة مركزية تحاول فرض قبضتها بالقوة، ومجتمعات محلية تسعى إلى حماية هويتها واستقلال قرارها. ورغم بعض النجاحات الدبلوماسية والاقتصادية، فإن غياب حوار وطني جامع يعزز احتمالات الانزلاق نحو مزيد من الانقسام.