أثار قرار المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر (الكابينيت) المصادقة على خطط احتلال مدينة غزة تساؤلات بشأن إمكانية بقاء فرص أمام المفاوضات للحد من تنفيذ إسرائيل هذا السيناريو الذي سيكون كارثيًا على الغزيين.
وأقرت إسرائيل في ضوء تعثر مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة خطة عرضها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قال مكتبه في بيان إنّه بموجب هذه الخطة، فإنّ الجيش الإسرائيلي "يستعدّ للسيطرة على مدينة غزة مع توزيع مساعدات إنسانية على السكّان المدنيين خارج مناطق القتال".
وبموجب هذه الخطة ستصدر إسرائيل أوامر إخلاء لنحو مليون فلسطيني يسكنون في منطقة شمال وادي غزة، ونقلهم إلى مناطق جنوب ووسط القطاع، وتهدف للسيطرة على مدينة غزة ومناطق شمال القطاع التي دمر الجيش الإسرائيلي غالبيتها بالفعل، كما حدث في جباليا، وبيت حانون، وبيت لاهيا.
وترى المحللة السياسية رهام عودة، أن إسرائيل ستبقي الباب مواربًا أمام حماس للقبول بصفقة جزئية وفق الرؤية والشروط الإسرائيلية، لافتة إلى أن ذلك سيكون فرصة لوقف عزم إسرائيل احتلال غزة.
وقالت عودة لـ"إرم نيوز": "الخيار المتبقي لحماس هو القبول بصفقة ويتكوف الجزئية بدون تعديلات، والاتفاق مع السلطة الفلسطينية أو جامعة الدول العربية لاستلام القطاع بشكل رسمي بعد انتهاء الهدنة، مما سيحرج نتنياهو، ويرفع عنه ذريعة احتلال غزة بسبب رفض حماس التوقيع على الصفقة بدون تعديلات".
وأضافت: "في حال قبلت حماس الصفقة سيتم تأجيل احتلال القطاع بشكل كامل، وقد يتم تمديد الهدنة، والعمل مع الدول العربية لتنفيذ خطة عربية وفلسطينية لإنهاء الحرب".
وتابعت: "إسرائيل لم تدفن كليًا مسار التفاوض بقرار احتلال غزة، إذ جعلت الباب مواربًا في حال قبلت حماس الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين بحسب الشروط الإسرائيلية".
وقات إن "إسرائيل ما زالت تستخدم الاحتلال التدريجي لغزة كورقة ضغط على حماس، وتوظف هذه الورقة بشكل تدريجي دون ضمانات بإنهاء الحرب".
وأشارت إلى أنه في حال عدم استجابة حماس للشروط الإسرائيلية لإتمام الصفقة وعدم إفراجها عن الأسرى الإسرائيليين، فإن إسرائيل ستنفذ خطتها باحتلال غزة ولكن بشكل تدريجي.
ورأت أن التطبيق التدريجي للخطة الإسرائيلية وفق جدول زمني طويل سيدع مجالاً لحماس للتراجع عن موقفها تجاه عدم التوقيع على الصفقة بحسب الشروط الإسرائيلية، وتسليم الأسرى الإسرائيليين، وفي نفس الوقت تسليم سلاحها، وفق عودة.
من جانبه، يرى المحلل السياسي سامح العمصي أن القرار الإسرائيلي باحتلال غزة والسيطرة بشكل كامل على مناطق شمال غزة، يأتي ضمن خطة إسرائيلية أوسع وأشمل من مجرد ممارسة الضغط على حماس.
وقال العمصي لـ"إرم نيوز": "لا يمكن فصل التهديدات الإسرائيلية المتكررة باجتياح مناطق جديدة في غزة عن السياق الإستراتيجي الأوسع الذي يتبناه نتنياهو، والذي يقوم على إطالة أمد الحرب عمدًا، لا بحثًا عن نصر عسكري حاسم، بل لفرض تحولات ميدانية ديموغرافية وجغرافية عميقة".
وأضاف: "ما نشهده، اليوم، ليس مجرد حرب ضد حماس، بل مشروع استنزاف طويل الأمد يهدف إلى صناعة بيئة طاردة للسكان في غزة، تُدفع فيها الناس دفعًا نحو خيار الهجرة القسرية تحت غطاء النجاة الفردية".
وتابع: "هذه التهديدات، ليست فقط أوراق ضغط تفاوضي، بل أدوات لتنفيذ سياسات تطهير ناعم ومُمنهج، عبر تعميق الانهيار الإنساني، وتحويل مناطق كاملة إلى أراضٍ ميتة غير قابلة للحياة".
وقال العمصي إن "التخفيف الجزئي للحصار المفروض على غزة عبر السماح بدخول مواد غذائية للفلسطينيين محاولة لخداع المجتمع الدولي، وتجميل وجه الجريمة، وفي ذات الوقت شق المسارات بين الوضع الإنساني والتفاوضي".
وأضاف: "إسرائيل تريد أن تنتزع من حماس ورقة الضغط الأخطر، وهي ورقة المجاعة والانهيار الكلي، دون أن تقدم أي ثمن سياسي في المقابل".
وقال إن "نتنياهو لا يريد نهاية قريبة لهذه الحرب، بل يريدها أن تظل أداة مفتوحة لإعادة تشكيل غزة على مقاس المخططات الإسرائيلية، عبر جغرافيا مقسمة، وسكان منهكون، ومجتمع يائس يبحث عن الخروج بأي ثمن".