تشهد العاصمة السورية دمشق نوعا جديدا من الاعتداءات التي تطال رواد ما يُعرف بـ "نوادي السهر الليلية" في موجة عنف جديدة تظهر التوجه الإسلامي المتشدد الذي يُطبِق على البلاد، فيما تحاول السلطات الجديدة قمع هذه التعديات على حرية الناس والتبرؤ منها ومعاقبة مرتكبيها.
وتُربط هذه الاعتداءات بفصائل ومجموعات لا تُعرف مرجعيتها، تطلق عليها السلطات اسم "فصائل منفلتة" و"مجموعات خارجة على القانون"، فيما تعترف في بعض الأحيان بأنها مجموعات منضوية في وزارتي الدفاع والداخلية، وتتوعدها بالمحاسبة والعقوبات.
قتلى باعتداء على ملهى
آخر الاعتداءات طالت ملهيين ليليين في وسط دمشق، طال أحدها، فجر اليوم الاثنين، نادي وملهى "الكروان" عند محطة قطار الحجاز، حيث تم إطلاق النار بشكل مباشر على الحاضرين، مما أدى إلى مقتل امرأتين ووقوع عدة إصابات.
وقبل ذلك بيوم واحد، أظهر فيديو مصور الأسبوع الماضي، اقتحام فصيل مسلح مكون من نحو 16 عنصراً ملهى ليلياً (نادي وكازينو الشرق) في ساحة المحافظة بالعاصمة.
وفقا لشهادات الشهود، اقتحم الفصيل الملهى الليلي، وقام مسلحوه بإطلاق النار داخل المكان ودمروا جزءاً كبيراً من معداته، وأرغموا زوّاره على النزول إلى الأرض، واعتدوا بالضرب على عدد من الشبان والشابات، وجرّدوهم من مصاغهم الذهبي وهواتفهم وأموالهم، إضافة إلى سرقة خزينة الملهى.
وأظهر فيديو لكاميرا خارجية، كيف وقف عناصر مسلّحون يرتدون زياً عسكرياً، وبدؤوا يضربون بأسلحتهم ويطلقون التهديدات بحق كل من يحاول الخروج من الملهى، مع تجاوزات لفظية طالت الحياة الشخصية للمواطنين.
منطقة تاريخية
المنطقة التي يقع فيها الملهى، معروفة تاريخياً باحتوائها على العديد من النوادي الليلية والمراكز الثقافية والترفيهية منذ عشرات السنين، ولم يسبق أن تعرضت هذه الأماكن لهجمات أو تعرض مرتادوها للقتل والاعتداء بهذا الشكل المفزع، كما يقول أحد المصادر من أهالي المنطقة.
ويعد نادي "الشرق"، المعروف أيضاً باسم "كازينو الشرق"، والواقع في قلب العاصمة دمشق من أقدم المنشآت الليلية في دمشق، وتأسس عام 1951 على يد رجل الأعمال توفيق الحبوباتي، وكان في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ملتقى للنخب السياسية والثقافية، حيث استضاف شخصيات بارزة كالرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون والمطربة أم كلثوم.
أغلق النادي في السبعينيات، ثم أعيد تفعيله لاحقاً، وفي عام 2009، اشتراه رجل الأعمال موفق القداح قبل أن يبيعه لسامر الفوز، ليتم تغيير اسمه إلى "مطعم ليالي الشرق"، ويقدم حفلات يومية.
ويقع إلى جوار النادي الذي تم الهجوم عليه، فندق تابع للمحافظة يحتوي على ملاهٍ ليلية أيضاً، لكن اشتُرط عليها عدم تقديم المشروبات الروحية إذا كانت تريد الاستمرار في نشاطها.
التعدي على الخصوصيات
الحادثة المشار إليها ليست الأولى من نوعها، بل تندرج ضمن سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تستهدف الحريات العامة والممتلكات الخاصة في سوريا. ففي الأشهر الماضية، كثرت الحوادث التي قام فيها عناصر من الفصائل المسلحة التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية بتفتيش الهواتف المحمولة في الشوارع، ومنع الشباب والفتيات من الجلوس معاً في الأماكن العامة أو الاختلاط في وسائل النقل الجماعي، مع التهديد والوعيد والضرب.
في واحدة من هذه الحالات، تم الاعتداء على مجموعة من الشبان المسيحيين في مدينة حماة، الأسبوع الماضي، حيث جرى ضربهم وحلق رؤوسهم، لأنهم كانوا يجلسون مع صديقاتهم في مكان عام، تبعها تصريح من الأمن العام يشير إلى اعتقال أحد المشاركين في الحادثة وأن القائمين بهذا الفعل عناصر لا تتبع لهم.
وفي حادثة أخرى، يروي "فادي" لـ "إرم نيوز" عما واجهه مع مجموعة من أصدقائه، حيث تعرضوا للشتم من قبل عناصر أمنية لأنهم كانوا يرتدون "شورتات" أثناء توجههم إلى ملعب كرة القدم، وتم تهديدهم بعقوبة شديدة إذا كرروا ارتداء الشورتات، معتبرين ذلك "خرقاً للذوق العام"، وقد حذروهم من مغبة تكرار "فعلتهم" وإلا فسيواجهون "عواقب أشد".
وسبق ذلك إغلاق العديد من أماكن السهر والمطاعم في دمشق القديمة، وتهديد أصحابها بأشد العقوبات فيما إذا استمروا بتقديم المشروبات الروحية، لتتحول الأزمة إلى قضية "رأي عام" وتعود محافظة دمشق بإدارتها الجديدة، عن قرارها بعد أن اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي موجة غضب واسعة ضد الانتهاكات بحق حريات السوريين الشخصية والاجتماعية.
وزارة الداخلية "تتدخل"
فور انتشار الفيديو الذي صور الهجومين على الناديين الليليين، قالت وزارة الداخلية السورية إنها أوقفت العناصر الذين تعرضوا للمدنيين، وتمت أحالتهم للقضاء تأكيداً على سيادة القانون.
وأشار المكتب الإعلامي بوزارة الداخلية إلى أن القوى الأمنية باشرت على الفور باتخاذ جميع الإجراءات العاجلة لملاحقة الفاعلين وضبطهم، وذكرت أنه "بعد التحقيقات الأولية ومراجعة التسجيلات، تم التعرف على العناصر المتورطة بالاعتداء واعتقالهم وتحويلهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل".
وشدد المكتب الإعلامي في وزارة الداخلية أن سيادة القانون هي الأساس في التعامل مع مختلف القضايا داخل الأراضي السورية وتشدد على أن أي تجاوز أو اعتداء يمس المواطنين أو المرافق العامة سيقابل بإجراءات قانونية صارمة .