رجّح خبراء أن الرد الذي قدّمه لبنان مؤخراً إلى المبعوث الأمريكي توماس باراك خلال زيارته إلى لبنان، والمتعلّق بعدم وجود خطة أو قدرة لدى الحكومة اللبنانية على نزع سلاح حزب الله، يُعطي الذريعة لإسرائيل أمام المجتمع الدولي لعودة الحرب إلى لبنان.
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن هذه الذريعة، التي ستتلقّاها تل أبيب، ستُستغل من جانب إسرائيل لتحقيق أهداف توسعية داخل لبنان.
وبيّنوا أن لغة المبعوث، التي كانت متغيّرة خلال هذه الزيارة بشكل سلبي مقارنة بالزيارات السابقة، أوضحت أن الطرق باتت مسدودة، وأن على لبنان تحمّل مسؤوليته.
وفي زيارته الثالثة إلى بيروت، التقى الموفد الأمريكي إلى لبنان توماس باراك رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون في قصر بعبدا، حيث تسلّم منه الرد الرسمي اللبناني على الورقة الأمريكية، بحضور السفيرة الأمريكية في بيروت ليزا جونسون. ثم توجّه إلى السرايا الحكومية للقاء رئيس الحكومة نواف سلام، ومجموعة من المسؤولين والزعماء السياسيين.
ويقول المحلل السياسي اللبناني علي حمادة إن باراك، في زيارته الثالثة خلال خمسة أسابيع فقط إلى بيروت، جاء لأخذ ورقة الموقف النهائي للحكومة اللبنانية من الورقة الأمريكية التي كان قد قدّمها إلى المسؤولين اللبنانيين ورئاسة الجمهورية في 19 حزيران/ يونيو الماضي.
وأضاف حمادة لـ"إرم نيوز" أنه في ظل إجراء باراك بعض المشاورات مؤخراً خلال هذه الزيارة قبل العودة إلى واشنطن بالرد، عكست الأجواء ما يحمله حول أن البند الأساسي الذي تتوقف عنده إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمتعلّق بنزع سلاح "حزب الله"، يحمل أزمة حقيقية وكبيرة.
وأضاف أن من الواضح أن الحكومة اللبنانية غير قادرة على الالتزام بنزع سلاح حزب الله شمال نهر الليطاني، أو التعامل مع موقف الحزب الرافض نهائياً لتسليم السلاح هناك، وهو ما كان له تأثير على القرار الحكومي، فالدولة غير قادرة على الاصطدام بـ"حزب الله"، أو تعتبر نفسها كذلك.
وأشار حمادة إلى أن هذا الوضع جعل باراك يتحدث إلى المسؤولين اللبنانيين بلغة مفادها: "هذه هي مشكلتكم وعليكم حلّها"، في إشارة إلى أزمة سلاح "حزب الله"، وأنه في ظل عدم قدرتكم على التعامل، "افعلوا ما تشاؤون". مؤكداً أن لغة المبعوث كانت واضحة بأن الطرق باتت مسدودة، وأن على لبنان تحمّل مسؤوليته بالقول: "نحن علينا أن ننصح ونساعد، ولا نملي عليكم أي قرار".
وأوضح المحلل السياسي اللبناني أن هناك احتمالاً كبيراً بالذهاب نحو التصعيد، لأن من الواضح أن جواب ورد الدولة اللبنانية على باراك غير واضح، ويحمل مضموناً فعلياً بأن حزب الله رفض تسليم السلاح قبل توفّر شروط عديدة غير قابلة للتحقيق.
واتفق معه الخبير في السياسات اللبنانية شاكر داموني، بالقول إن ما جرى في هذا الإطار من رد لبناني واضح بعدم القدرة على التعامل مع "سلاح حزب الله" وبسط سيادة الدولة، يُعطي الذريعة أمام المجتمع الدولي لإسرائيل بعودة الحرب إلى لبنان، ولكن هذه المرة ستستغل تل أبيب ذلك لتحقيق أهداف توسعية.
وبحسب داموني لـ"إرم نيوز"، فإن المؤشرات السلبية لما هو قادم ومنتظر من إدارة ترامب، في ظل الرد اللبناني الذي لم يضع حداً لسلاح "حزب الله" بحسب الالتزامات بالقرارات الدولية من جهة، ودعم لبنان من جهة أخرى، وضحت في اللهجة المتغيرة التي تحدّث بها "باراك" في زيارته الأخيرة مقارنة بزيارته التي كانت منذ ثلاثة أسابيع، حيث كانت لهجته حينها منفتحة جداً في الحديث مع كافة القوى السياسية، وطرحت سبل الانفراجة للبنان.
ويرى داموني أن الأزمة تكمن في أن هناك مخططاً يُحاك للبنان، وكان على حزب الله دعم الدولة والدخول في نسيجها، لأن سلاحه لن يكون ذا جدوى، والدخول في المظلة السياسية فقط داخل لبنان كان سيُكتب له الاستمرار سياسياً على الأقل. لكن تمسّكه بالسلاح وفرضه على الجميع سيجلب الخراب الحقيقي على لبنان، ويقدّم كل ما تريده إسرائيل في هذا الصدد.
وخلص الخبير في السياسات اللبنانية إلى أنه إذا كان "حزب الله" قد سار مع الدولة في تسليم السلاح وانخرط سياسياً بالشكل الذي يعطيه دوراً مهماً خلال الفترة المقبلة، فسيكون ذلك الأفضل له، خاصة أن سلاحه لن يستطيع مواجهة عدوان إسرائيل، بل سيعطيها الذريعة لاحتلال مناطق في لبنان. في حين أن تسليم سلاحه للدولة كان سيجعلها تضع المسؤولية على المجتمع الدولي والعربي بأنه تم نزع السلاح، وأنه يجب تقوية الجيش اللبناني والوقوف أمام أي تعدٍّ إسرائيلي، ما دامت الذرائع الخاصة بالسلاح قد انتهت. وفي الوقت نفسه، يقوم المجتمع العربي والدولي بتنفيذ وعوده، سواء في عملية الإعمار أو توجيه الاستثمارات إلى الداخل.