"الطبابة مجانية في سوريا.. لكن عليك شراء أكياس السيروم، والسيرنغات والأدوية من الخارج!.. أما إذا احتاج المريض لصورة مرنان مغناطيسي (رنين مغناطيسي)، فيجب عليه إجراؤها خارج المشفى، لأن الجهاز المعطل، والوعود بإصلاحه أو بشراء جهاز جديد، من قبل الأشقاء والجهات الدولية، تأخرت كثيرًا!".. هذا ما يرويه الدكتور أمين سليمان، مدير مستشفى المواساة الجامعي بدمشق، وهو يفتح ملفات المؤسسة الطبية، و"معاناتها بسبب الفساد المتوارث منذ العهد السابق، وتهالك الأجهزة الطبية، ونزيف الكوادر".
ويقول الدكتور أمين سليمان، مدير مستشفى المواساة الجامعي بدمشق، لـ"إرم نيوز": "الطبابة مجانية فعلاً، لكن الإمكانات محدودة. فنحن نقدم خدمات التشخيص والعلاج مجاناً، لكن المشافي خسرت بنيتها التحتية، ومعداتها خلال الحرب، وهو ما يعيق عملها".
وأضاف: "أطباء بلا حدود، تولّت صيانة وتأهيل قسم الحروق والتجميل في المشفى، فتعاقدوا مع متعهد لإنجاز العمل خلال أسبوعين، لكن العمل استمر شهرين، وعندما حان موعد الاستلام كان الصرف الصحي عائماً، والجرادين (الجرذان) منتشرة".
ويرجع سليمان، معظم المشاكل، إلى بيئة الفساد التي كانت سائدة خلال الـ50 عاماً الماضية، ويقول: "قاموا بوصل نوازل الصرف الصحي بأكياس النايلون، وسببوا معاناة كبيرة داخل المشفى، لكننا ضبطنا الموضوع في النهاية".
ويعاني مشفى المواساة في دمشق، من عقبات كثيرة تؤثر في خدماته، في مقدمتها تعطل جهاز تصوير الرنين المغناطيسي، وجهازي الطبقي المحوري، وجهاز الأشعة البسيطة.
وتابع سليمان: "نستقبل ما بين 800 إلى ألف مريض يومياً، مع أن قدرة المشفى 300 مريض، في ظل أجهزة متهالكة ومعطلة، بسبب انتهاء عمرها الافتراضي، نتيجة ضغط العمل المستمر".
وخلال الفترة الماضية، تبرع أحد السوريين المغتربين للمشفى بـ20 جهاز غسيل كلى مع مركز للتحلية، وتبلغ بكلفة 500 مليون دولار، وفق سليمان.
ويواصل مدير المستشفى حديثه عن الأوضاع المأساوية قائلاً: "أحياناً نفقد المريض في الإسعاف، لأننا لا نستطيع إجراء غسيل للكلى، وأحياناً بسبب عدم وجود مرنان وطبقي محوري.. ليس لدينا أدوات تشخص المشكلة العصبية، نريد مرناناً وطبقياً محورياً..".
وأوضح سليمان أن ميزانية المستشفى تقدر بحدود 100 مليار ليرة (الدولار يساوي 10500 ليرة)، بينما يحتاج إلى 1000 مليار ليرة ليتم تأمين الخدمة الصحية بشكل كامل.
وباعتبار أن المواساة مستشفى جامعي، فإن عدد الأطباء المقيمين في الاختصاص، يقدّر بين 1500 وألفي طبيب، وهو ما يلقي أعباء كبيرة، كما يقول سليمان.
ويعد تزاحم المراجعين الوافدين من جميع المدن السورية، على أبواب العيادات الخارجية، حالة طبيعية في مستشفى المواساة، فبسبب الحرب، تعرضت الكثير من المستشفيات للتدمير، ولم تبقَ سوى عدة مستشفيات تعمل في دمشق والمدن الرئيسة الأخرى.
ولا يدفع المريض، عند زيارته إحدى العيادات الخارجية، سوى 1500 ليرة سورية، وهو مبلغ رمزي زهيد، لكنه يصطدم بفقدان الأدوية، وتعطل الأجهزة، فيُضطر لجلبها من الخارج.
ويقول سليمان عن الأدوية المفقودة: "الحاجة أكبر بكثير من طاقتنا، مثلاً قدرتنا تأمين إبر وأكياس سيروم لـ300 مريض يومياً، لكن يأتينا 1000 مريض.. ولا نستطيع رفض قبولهم، بعض الأدوية وبعض الاختبارات منها الشعاعية، مثلا المرنان معطّل من سنتين، وإصلاحه يحتاج مبالغ هائلة".
ورغم كثرة الوعود بالتبرعات، وتقديم الأجهزة الجديدة، وإجراء الصيانة، لكن أرض الواقع تؤكد بطء وصول المساعدات، وتضرر أحوال المرضى ووفاة بعضهم، كما يؤكد سليمان.
ويقول: "الأدوية الورمية، معظمها غير موجود، ما يشكل عبئاً مادياً كبيراً على المرضى، بسبب أسعارها العالية خارج المستشفى، لكننا نعتمد على المنظمات الخيرية، ومنها منظمات السوريون الأمريكيون، حيث هناك وعود بتأمينها خلال الأسابيع المقبلة.
ومن غرائب قصص المستشفى المواساة، أن جهاز القسطرة القلبية تعطل لمدة 5 سنوات، بذريعة أن تكلفة إصلاحه تصل إلى 400 مليون دولار.
لكن الدكتور سليمان يقول: "قام أحد الأشخاص بإصلاح جهاز القسطرة بـ5 آلاف دولار خلال نصف ساعة، وكان ذلك دليلاً على وجود فساد كبير في المستشفى.. كانت ميزانية المشفى تقدّر بـ100 مليار ليرة، لكنها لا تستفيد إلا من 10% من هذه الميزانية، بسبب الفساد".
أما مشكلة نزيف الكوادر، فتلك معاناة أخرى كما يقول مدير المستشفى، ويربطها بعاملين، الأول أمني، حيث هرب الأطباء الخبراء إلى الخارج خوفاً من بطش نظام الأسد، إضافة إلى ضعف الرواتب.
ويأمل سليمان أن تصل المساعدات الطبية العربية بأقرب وقت، لأن أحوال القطاع الصحي في سوريا، تعاني الكثير من الصعوبات.
في أروقة المستشفى، يجرّ مرافقو المرضى أحبّاءهم على النقالات نحو مبانٍ أخرى، بينما يفترش البعض الممرات للنوم بلا مأوى، في مشهد يصور معاناة لا تنتهي لمراجعي المستشفيات.
ويأمل سليمان أن تصل المساعدات العربية الموعودة للمشفى، حتى يصبح أهم مشفى في المنطقة، لكن إلى ذلك الحين، يبدو أن المرضى السوريين سيبقون يعانون في عمليات التصوير، وإجراء التحاليل، والعمليات الجراحية، وغيرها.
ويختم حديثه: "نتمنى ألا يتأخر الدعم العربي والعالمي عن القطاع الطبي السوري، فكل تأخير يعني المزيد من الآلام، وفقدان الأرواح".