وسط أجواء الذكرى الأولى لتفجيرات "البيجر" في لبنان، وبينما يستعيد لبنان وقائع أعنف حرب عليه، أقدم الجيش الإسرائيلي على خطوة تحيل تلك الذكرى إلى واقع يهدد باستعادتها.
وفي إجراء غير مسبوق منذ نهاية تلك الحرب قبل نحو عام، وعلى غرار ما يفعل في غزة، وجه الجيش الإسرائيلي إنذاراً بإخلاء عدد من المواقع جنوبي لبنان، متوزعة على 3 قرى، ثم استهدفها بعد نحو ساعة من الإنذار.
وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي نشر خريطة لعدد من المواقع التي أعلن أنه سيستهدفها، وقال إنه سيهاجم بنى تحتية عسكرية تابعة لميليشيا حزب الله.
وشهدت المواقع المستهدفة حركة نزوح كبيرة، قبل تنفيذ الضربات، بينما دعا رئيس حكومة لبنان نواف سلام المجتمع الدولي إلى "ممارسة أقصى الضغوط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها فوراً، والعودة إلى الآلية واتفاق وقف العمليات العدائية والتزاماته"، كما طالب بتطبيق القرار 1701 الذي أقره مجلس الأمن لوقف حرب عام 2006، وصار مرجعاً للحل في لبنان.
وبينما بقيت ميليشيا "حزب الله" تلتزم الصمت إزاء الغارات، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه نفذ موجة هجمات على أهداف لها.
تجاوزت الغارات الإسرائيلية الأخيرة في توقيتها ودائرة أهدافها، وشكل الإعلان عنها، أن تكون مجرد رسالة تحد للحزب، كالتي وجهها المتحدث باسم الجيش يوم أمس، لمناسبة ذكرى "تفجيرات البيجر"، لتبدو أقرب إلى إعلان حرب جديدة على جنوب لبنان، وإن كانت إسرائيل شنت آلاف الغارات حتى الآن منذ وقف إطلاق النار بين الجانبين في ديسمبر عام 2024، (قدّرها الجيش اللبناني بأكثر من 4500)، إلا أن غاراتها اليوم شكلت تطوراً نوعياً في مسار "حرب الاستنزاف" التي تخوضها في جنوب لبنان.
وكما أثارت تلك الغارات مخاوف من تجدد الحرب، أعادت مجدداً طرح الأسئلة حول قدرة "حزب الله" على الرد، وسط تغير جذري في قواعد الحرب، ومعطيات الواقع داخلياً وإقليمياً.
فقدت ميليشيا الحزب كثيراً من قدراتها سواء في التسليح أو الكوادر، في "حرب الإسناد" التي بدأتها في أكتوبر 2023، إسناداً لغزة بعد "طوفان الأقصى"، قبل أن تصبح جبهة لبنان ساحة حرب أضافتها إسرائيل إلى الجبهات التي بدأت خوض المعارك فيها، بعدما أعلن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أنه سيغير وجه الشرق الأوسط، وهو ما أعاد التذكير به قبل يومين وقال إن "حزب الله" أصبح عاجزاً بعد مقتل أمينه العام السابق حسن نصر الله.
وهو الواقع الذي جعل ميليشيا الحزب، تواجه بالصمت أو عدم الرد، كثيراً من الغارات الإسرائيلية التي لم تتوقف منذ نهاية الحرب، وطالت عدداً من كوادرها، وذلك في محاولة لترميم القدرات.
أما داخلياً فإن حزب الله يواجه حالياً، وللمرة الأولى منذ تأسيسه، قراراً حكومياً بنزع سلاحه، وهو إجراء اتخذته حكومة نواف سلام في 5 من أغسطس الماضي، حين قررت حصر السلاح بيد الدولة، وهو ما يعني أن الحكومة رفعت الغطاء عن سلاح الحزب، وصارت تعتبره غير شرعي، وألغت العمل بتقليد امتد عقوداً في البلاد، وكان يدخل في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة ويؤكد على شرعية وجود ذلك السلاح.
إقليمياً، فقدت الميليشيا المعابر التي كانت تتزود عبرها بالسلاح من سوريا، بعد سقوط نظام بشار الأسد، ووصول مجموعات سبق للحزب أن خاض معها معارك في سوريا إلى الحكم في البلاد، وهو ما يترك تأثيراً كبيراً على الإمداد بالأسلحة، ويقلص قدرة الحزب على خوض حرب طويلة.
ويضاف إلى ذلك أن إيران ـ الداعم الرئيس لحزب الله ـ واجهت أيضاً حرباً قاسية، ولن يكون من السهل عليها الدخول في مواجهة جديدة، خاصة أن الولايات المتحدة كانت قد نفذت للمرة الأولى ضربة استهدفت أهم منشآتها النووية.
هي ظروف تسعى إسرائيل لاستثمارها إلى الحد الأقصى، إذ تواصل اجتياح غزة، وتستعد لحرب في الضفة، كما توغلت عبر الحدود في سوريا، لتمنع أي محاولة للإمداد.