في طرق وعرة تحيط بها حقول زيتون في جنوب لبنان، تجول دوريات تابعة لقوات الأمم المتحدة (يونيفيل) مع بدء العد العكسي لانتهاء مهلة انسحاب الجيش الإسرائيلي بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار مع "حزب الله"، يخشى سكان من أن ينهار.
قرب مبانٍ مدمرة في قرية قريبة من الحدود بين لبنان وإسرائيل في منطقة "مرجعيون"، يقول النقيب غربار شارما من الكتيبة الهندية في قوة الأمم المتحدة إن "الوضع لا يزال هشًا للغاية".
ويضيف على هامش جولة برفقة فريق صحفي من وكالة فرانس برس: "نجري دوريات مماثلة" للمساعدة في منع أي "تصعيد إضافي للعنف".
وسط أنقاض منازل دمرها القصف والمعارك، يمكن رؤية صور وملابس مبعثرة وسط الركام، في مشهد يتكرر في بلدات عدة في جنوبي البلاد.
ودخل وقف لإطلاق النار حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني/نوفمبر بعد مواجهة بين إسرائيل وحزب الله المدعوم من إيران استمرت منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتحوّلت منذ أيلول/سبتمبر الماضي الى حرب مدمّرة.
وكثّفت إسرائيل في الشهرين اللذين سبقا الهدنة غاراتها على معاقل للحزب، وتوغلت قواتها في جنوبي لبنان.
وينصّ الاتفاق، الذي تمّ التوصل إليه بوساطة أمريكية، على انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي دخلها، خلال مهلة 60 يومًا تنتهي في 26 كانون الثاني/يناير، على أن يعزز الجيش اللبناني واليونيفيل انتشارهما مكان القوات الإسرائيلية و"حزب الله".
ويتعيّن على الحزب بموجب الاتفاق أن يسحب قواته إلى شمالي نهر الليطاني، على بعد نحو 30 كيلومترًا من الحدود مع إسرائيل، وأن يفكك أي بنية تحتية عسكرية فيها.
في الجولة التي جرت الثلاثاء، شاهد مراسلو "فرانس برس" انتشارًا خجولًا لجنود من الجيش اللبناني في قرى قرب "مرجعيون"، تقع على بعد نحو 5 كيلومترات من الحدود.
تشق عربات قوات "اليونيفل" البيضاء التي ترفع علم الأمم المتحدة الأزرق طريقها بين سيارات مدنية ومارة يتجولون على الطريق المؤدي الى الخيام.
وتعرضت هذه البلدة لقصف كثيف، وشهدت مواجهات عنيفة بين مقاتلي "حزب الله" والقوات الإسرائيلية التي توغّلت إلى أجزاء منها، ولم يتسنّ لسكانها العودة اليها بعد.
وانسحبت القوات الإسرائيلية في 11 كانون الأول/ديسمبر من "الخيام" التي تعاني دمارًا هائلًا، وانتشر الجيش اللبناني فيها تطبيقًا لاتفاق وقف إطلاق النار.
وقال أنخل سالدانا، أحد جنود حفظ السلام من إسبانيا، لوكالة "فرانس برس": "ساعدت اليونيفيل الجيش اللبناني على التأكد من... عدم وجود قوات إسرائيلية في الخيام"، مشيرًا إلى أن العملية كانت صعبة بسبب خطر الذخائر غير المنفجرة.
والاثنين، أعلن المبعوث الأمريكي الخاص آموس هوكستين الذي قاد مفاوضات وقف إطلاق النار، أن القوات الإسرائيلية انسحبت من بلدة أساسية ثانية هي الناقورة. وأكد الجيش اللبناني أنه بدأ الانتشار في هذه البلدة الساحلية المحاذية للحدود مع إسرائيل.
وأكد سالدانا أن السكان "يحاولون العودة الى منازلهم في أبعد نقطة يسمح لهم بذلك فيها"، محذّرًا من أن بعض الأنحاء لا تزال غير آمنة.
ويترقب كثيرون في لبنان انقضاء مهلة الستين يومًا للانسحاب الاسرائيلي، وسط خشية من أن تستأنف الأعمال القتالية إذا لم يلتزم الطرفان ببنود الاتفاق.
ومنذ بدء سريان الهدنة، تبادلت الأطراف المعنية الاتهامات بخرقها.
وبموجب الاتفاق، تتولى لجنة خماسية تضم الولايات المتحدة وفرنسا إضافة الى لبنان وإسرائيل واليونيفيل، مراقبة الالتزام ببنوده والتعامل مع الخروقات التي يبلغ عنها كل طرف.
وقالت تمارا القادري (54 عامًا) التي تركت مرجعيون العام الماضي إثر ضربة قريبة من منزلها، إنها عادت في اليوم ذاته لبدء سريان الهدنة "لكننا لا نشعر براحة أو بأن الوضع هادئ".
وأضافت: "نريد هدوء البال... لأن نفسيتنا تعبت كثيرًا ولم نعد قادرين على التحمل أكثر"، متابعة "عشنا رعبًا... لا ملاجئ لدينا هنا" للاحتماء من القصف والمعارك.
"ننتظر"
ويحذّر الجيش الإسرائيلي يوميًا أهل قرى تشكّل شريطًا عند الحدود في جنوبي لبنان، من مغبة محاولة العودة إليها.
وأكدت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة هذا الشهر أن أكثر من 120 ألف شخص لا يزالون نازحين في لبنان. في المقابل، تؤكد السلطات الإسرائيلية أن 51 ألف شخص ما زالوا خارج مناطقهم بشمالي الدولة العبرية.
وأفادت السلطات اللبنانية بأن النزاع أسفر عن قتل أكثر من أربعة آلاف شخص منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، غالبيتهم منذ أيلول/سبتمبر الماضي.
وأشارت الى أن بعض هؤلاء قتلوا بعد بدء سريان الهدنة، علمًا بأن بياناتها لا تحدد عدد المقاتلين القتلى.
وفي الجانب الإسرائيلي، قتل 77 شخصًا بينهم جنود، بحسب تعداد لفرانس برس يستند الى بيانات رسمية. ويضاف الى هؤلاء 56 جنديًا قتلوا في جنوبي لبنان في العمليات البرية.
ويأمل سكان في جنوبي لبنان أن تستعيد مناطقهم الهدوء الذي ساد عقب حرب تموز/يوليو 2006 بين إسرائيل و"حزب الله"، وانهار مع بدء تبادل القصف في تشرين الأول/أكتوبر 2023 على خلفية حرب غزة.
وفي منزلها الحجري المتواضع، تأمل القادري في أن يوفر انتشار الجيش واليونيفيل "حماية" للسكان.
وقالت: "نحن سعيدون بدخول الجيش... ونتمنى أن يبقى قربنا حماية لنا".
وأضافت من دون أن تخفي وجود "خوف"، "ننتظر أن تمر الستون يومًا" لتبيان ما سيحدث بعد ذلك.