رأى خبراء في الشأن الأمني أن تكرار حالات هروب السجناء من المعتقلات العراقية لا يعكس فقط خللًا إداريًا، بل يشير إلى وجود شبكة فساد من الداخل، تتعامل مع النزلاء بمنطق "البيع والشراء".
وشهدت محافظة بابل، قبل يومين، حادثة هروب جديدة، حين تمكّن نزيلان من الفرار من أحد السجون التابعة لمديرية الشرطة، قبل أن تتمكن القوات الأمنية من اعتقال أحدهما، في واقعة أعادت الجدل بشأن تأمين السجون في العراق، خاصة في ظل سلسلة طويلة من الحوادث المشابهة خلال السنوات الماضية.
ويُعد تكرار مثل هذه الحوادث مؤشرًا على ما يصفه مختصون بـ"ضعف المنظومة العقابية"، حيث تفتقر بعض السجون إلى البنى التحتية الحديثة، وتعاني من اكتظاظ شديد، فضلًا عن غياب التكنولوجيا المستخدمة في مراقبة النزلاء أو استشعار محاولات الفرار.
ويرى مختصون أن سجون بعض المحافظات تحولت إلى بيئة رخوة سهلة الاختراق، سواء عبر النفوذ العشائري أم الوساطات المالية، أم حتى التهديدات المسلحة.
وفي هذا الصدد، قال الخبير في الشأن الأمني عبد الغني الغضبان إن "الهروب المتكرر من السجون العراقية هو نتيجة مباشرة لحالات مساومة وبيع وشراء تحدث داخل المعتقلات، حيث لا يتردد بعض الحراس أو المديرين في تسهيل هروب النزلاء مقابل مبالغ مالية".
وأضاف الغضبان لـ"إرم نيوز" أن "بعض مديري السجون يتعاملون مع الموقع وكأنهم أسياد، فيستخدمون السجناء لأغراضهم الشخصية، كتنظيف الملابس والمكاتب، وهو ما يخلق بيئة فاسدة تسهّل مثل هذه الخروقات".
ودعا إلى "تدوير مديري السجون، وتعيين ضباط أكفاء من خريجي الكليات العسكرية لتقليص احتمالات التواطؤ، ومواجهة ظاهرة الفساد داخل المؤسسات العقابية".
وسُجلت خلال السنوات الماضية وقائع بارزة لهروب نزلاء من سجون ومراكز توقيف متعددة، من أبرزها هروب 21 نزيلًا من سجن الهلال في المثنى عام 2020.
كما فرّ 4 آخرون من سجن تسفيرات بابل عام 2022، إلى جانب حالات في سجون العدالة ببغداد، ومراكز مكافحة الإجرام في كركوك والبصرة، ما يطرح تساؤلات متكررة عن فاعلية أنظمة الحماية والانضباط داخل هذه المؤسسات.
ويحذر مختصون من أن هذه الظاهرة لا تنحصر فقط في التراخي الأمني، بل تمتد إلى تغلغل جماعات نافذة قادرة على التأثير داخل المؤسسات المختصة، مستفيدة من الترهل الإداري، وتداخل الصلاحيات بين وزارتي العدل والداخلية، إلى جانب الصمت السياسي تجاه هذه الاختراقات.
ويخشى مختصون من أن تؤدي هذه الحوادث المتكررة إلى تقويض الثقة بمنظومة العدالة، وتهديد الأمن المجتمعي، ما يفرض على الحكومة مراجعة شاملة لمنظومة السجون، ووضع آليات رقابة.
بدوره، كشف ضابط في وزارة الداخلية العراقية أن "التحقيقات في عشرات من حوادث الهروب التي وقعت خلال السنوات الخمس الماضية، قادت إلى إعفاء أو محاسبة أكثر من 120 منتسبًا وضابطًا من إدارات السجون المختلفة، بينهم مديرون ومسؤولون في الوحدات الداخلية".
وأوضح الضابط، الذي طلب حجب اسمه، لـ"إرم نيوز" أن "الوزارة تعتمد اليوم خطة جديدة تقوم على أنظمة كاميرات ذكية داخل الزنازين، ونشر مفارز طوارئ في محيط السجون الحساسة، فضلًا عن نقل السجناء الخطرين إلى مراكز اتحادية أكثر تحصينًا، تفاديًا لتكرار هذه الحوادث".
وأشار إلى أن "الداخلية تعمل على فصل الموقوفين الجنائيين عن السجناء المتهمين بقضايا مخدرات أو إرهاب، لما يشكله هذا الخلط من فرص تهريب وتجنيد داخلي".
ويطرح تكرار حوادث الهروب من السجون تساؤلات عن غياب الدور الرقابي الفعّال، سواء من المؤسسات التشريعية أم الرقابية، لا سيما في ظل جمود سياسي يعيق تحرّك البرلمان، ويفسح المجال أمام تفاقم مثل هذه الظواهر دون مساءلة أو إصلاح جذري.
من جهته، قال عضو مجلس النواب مختار محمود إن "ما يحدث داخل بعض السجون يتطلب تعزيز الرقابة المؤسسية، وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان بشكل صارم، بما يضمن حفظ الكرامة وردع الانتهاكات".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "هذه الظاهرة لا ينبغي أن تمر دون محاسبة، وعلى الجهات المعنية اتخاذ إجراءات قانونية بحق كل من يثبت تورّطه في تسهيل أو التغطية على هذه الخروقات".
وأشار إلى أن "البرلمان كان يجب أن يتحرّك في هذا الاتجاه، إلا أن الشلل النيابي الحاصل حاليًا، بسبب عدم انعقاد الجلسات، يعيق هذا الدور الرقابي، ويجعل الاستجابة لهذه الأزمات بطيئة وغير مؤثرة".