مع اقتراب موعد انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب العراقي الجديد، تتحرك القوى السنية لترتيب بيتها الداخلي عبر التوافق على إطار سياسي ينظم اختيار رئيس البرلمان المقبل.
وتسعى القوى السنية لتوحيد الموقف قبل الدخول في الاستحقاق الدستوري، وتقليص الخلافات التي رافقت ملف رئاسة مجلس النواب في دورات سابقة.
وبعد اجتماع المجلس السياسي الوطني الذي عقد مساء الأحد في بغداد، بدا أن القوى السنية تسعى إلى تقديم صورة تماسك نسبي، من خلال الاتفاق على إطار عام لإدارة الاستحقاق، مع الإقرار بأن المنافسة لا تزال مفتوحة، وأن قائمة المرشحين ستُختصر لاحقًا إلى اسمين أو ثلاثة، على أن يكون أحدهم من تحالف "تقدم"، الذي يتصدر عدد المقاعد داخل المكون السني.
ويضم المجلس السياسي الوطني القوى السنية الفائزة في الانتخابات الأخيرة، وفي مقدمتها تحالف "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي، وتحالف "عزم" بزعامة مثنى السامرائي، وتحالف "السيادة"، وتحالف "الحسم"، وتيار "الجماهير"، ويُنظر إليه بوصفه محاولة لإعادة تنظيم القرار السني بعد سنوات من التشتت والانقسام.
وبحسب مصدر سياسي مطلع على أجواء المفاوضات، فإن "القوى السنية اتفقت مبدئيًّا على ألا يفرض مرشح بعينه من داخل المجلس، وأن تترك عملية الحسم للجلسة البرلمانية، بعد تقليص عدد الأسماء المتداولة إلى مرشحين اثنين، بما يضمن عدم تفجير الخلافات مبكرًا".
وأضاف المصدر، الذي طلب حجب اسمه، لـ"إرم نيوز" أن "هذا التوجه جاء نتيجة تجارب سابقة أظهرت أن الاتفاقات المغلقة لا تصمد طويلًا، وأن الذهاب إلى البرلمان يمنح الغطاء الدستوري والسياسي لأي اسم يتم اختياره".
وأشار إلى أن "الآلية الجديدة تهدف أيضًا إلى طمأنة بقية المكونات السياسية، ولا سيما الإطار التنسيقي والقوى الكردية، بأن رئيس البرلمان المقبل لن يكون نتاج صفقة أحادية داخل المكون السني، بل نتيجة مسار دستوري واضح؛ ما يقلل الاعتراضات الخارجية ويمنح الرئيس الجديد مساحة حركة أوسع".
وتأتي هذه التفاهمات في وقت يدرك فيه قادة القوى السنية حساسية المرحلة، إذ يعد منصب رئاسة مجلس النواب الاستحقاق الأول في سلسلة تشكيل الرئاسات الثلاث، ويُنظر إليه على أنه بوابة التوازن في مفاوضات الحكومة المقبلة، خصوصًا في ظل تداخل الحسابات بين بغداد وأربيل، والانقسام داخل الإطار التنسيقي الشيعي بشأن اسم رئيس الوزراء.
وتكشف معطيات سياسية أن الاجتماع الأخير للمجلس السياسي الوطني لم يدخل في حسم الأسماء بقدر ما ركز على تثبيت القواعد العامة، وتهدئة التوترات الداخلية، بعد أسابيع من التسريبات المتضاربة حول حظوظ محمد الحلبوسي، ومثنى السامرائي، وأسماء أخرى جرى تداولها في الكواليس.
وفي هذا السياق، يرى الباحث الأكاديمي حيدر الجوراني أن "المشهد السياسي السني لا يزال ضبابيًّا، رغم التماسك النسبي الذي أفرزته نتائج الانتخابات الأخيرة، والذي تُرجم بتشكيل المجلس السياسي الوطني".
وذكر الجوراني لـ"إرم نيوز" أن "التحدي الحقيقي لا يكمن في اختيار اسم رئيس البرلمان بقدر ما يكمن في قدرة هذه المظلة على الحفاظ على تماسكها بعد حسم المنصب، في ظل تاريخ طويل من التشظي والانقسامات داخل القوى السنية".
وأكد الجوراني أن "المجلس السياسي الوطني، حتى لو استمر، لن يكون إطارًا يحدد بوصلة رئيس مجلس النواب المقبل بالطريقة نفسها التي يحدد بها الإطار التنسيقي خيارات رئيس الوزراء".
وأوضح أن "رئيس البرلمان سيبقى محكومًا بتوازنات أوسع داخل المجلس النيابي، وبعلاقات متشابكة مع القوى الشيعية والكردية".
وأشار إلى أن "تعقيدات المشهد السياسي العراقي تجعل من احتمالات التغيير وإعادة الاصطفاف أمرًا واردًا حتى بعد تشكيل الحكومة، بما في ذلك إمكانية سحب الثقة أو إعادة توزيع المواقع، كما شهدنا في الدورة البرلمانية الحالية التي شارفت على الانتهاء".
وتحظى القوى السنية، وفق العرف السياسي المعتمد منذ 2005، بمنصب رئاسة مجلس النواب، إلا أن هذا العرف بات اليوم مرتبطًا بشروط أكثر تعقيدًا، تتصل بطبيعة التوافقات العابرة للمكونات، وبمدى قبول الشركاء السياسيين بالمرشح النهائي.
ومن المقرر وفق الدستور العراقي أن يعقد البرلمان الجديد جلسته الأولى في موعد أقصاه نهاية الشهر الجاري، بعد مصادقة المحكمة الاتحادية على أسماء المرشحين.