يطوي الغزيون ثاني أعوام الحرب المدمرة التي عاشوا فيها تفاصيل حوّلت حياتهم إلى دوامة من الأزمات غير المسبوقة، في الوقت الذي تبقى فيه آمالهم معلقة بنهاية كابوس الحرب، وسط مفاوضات للتوصل إلى اتفاق تهدئة.
وتحوّلت ذكرى الحرب إلى مناسبة تنكأ جراح مآسٍ تنوّعت بين القتل والتدمير والتهجير، ومعاناة متفاقمة من النزوح الذي جرّب غالبية الغزيين مرارة تفاصيله.
لا يخفي الشاب محمد قنوع، الذي يقيم مع عائلته في دير البلح وسط قطاع غزة بعد أن نزحوا من حي الشجاعية في مدينة غزة، مشاعره تجاه امتداد آثار الحرب حتى إن توقّف إطلاق النار.
يقول قنوع، الذي يعمل لإعالة أسرته في مهنة جمع وبيع الحطب، لـ"إرم نيوز": "حتى لو انتهت الحرب سنظل مشرّدين بعد أن تهدمت منازلنا"، مضيفًا: "لا أحد يتحدث عن أفق لإعادة الإعمار، وسيحتاج الأمر سنوات طويلة".
ويشير الشاب قنوع إلى معاناة الإقامة مع 6 أفراد من عائلته في خيمة لا تتجاوز مساحتها 20 مترًا، بالقول: "نتقاسم هذه الخيمة مع الفئران والحشرات، لم أتوقع يومًا أن أعيش حياة كهذه".
ويتفق الصحفي علاء أبومحسن، على أن المعاناة القاسية التي عاشها ووثّقها خلال الحرب ستعيش معه طويلاً.
ويقول أبومحسن، لـ"إرم نيوز"، "كيف يمكن لصحفي أن ينسى أنه أجرى يومًا مقابلة مع طفل يقول فيها إنه لم يأكل منذ أيام طويلة خلال أزمة المجاعة، أو أن تحاول الحديث مع أم تبحث عن نجلها بين كومة من الأشلاء؟".
ويضيف: "فقدت منزلي، وعشت ما عشت من تفاصيل هذه الحرب، لكن ذكراها أعادت إلى ذاكرتي الزملاء الصحفيين الذين شاركتهم العمل في الميدان واستشهدوا خلالها"، متابعًا: "كان هذا أقسى ما عايشته".
تقول رشا أحمد، التي تسكن في خان يونس جنوب قطاع غزة، وتعيل أسرتها: "اليوم كل شيء تغيّر".
وتضيف، لـ"إرم نيوز"، بعد أن عادت إلى منزلها الذي نزحت منه عقب اجتياح الجيش الإسرائيلي لمنطقتها: "تهدمت البيوت، وتبعثرنا كأننا في غربة داخل أنفسنا، من سيعيد كل ما ضاع؟".
وتتابع: "خلال الحرب فقدتُ شقيقي الاثنين، وأمي كل يوم تبكي عليهما، اليوم نفقد وجودهما بكل نزوح وحركة".
أما نسرين سحلول، التي تقيم في منطقة المواصي بخان يونس، فتقول: "استُشهد شقيقاي الاثنان وزوجتاهما بقصف على خيامهم في المواصي، وصرت أعتني بأولادهم وعددهم 11، من بينهم مصابون".
وتستدرك: "نسكن في خيمتين متجاورتين، لي ولأولادي"، مشيرة إلى أن والدها تعرّض للاعتقال خلال نزوحه عبر حاجز إسرائيلي وسط قطاع غزة.
وتضيف لـ"إرم نيوز": "والديْ لم يعد طبيعيًا بعد هذه التجربة، أصبحت أنا المسؤولة عن كل شيء"، معتبرة ذكرى الحرب استعادة لشريط الذكريات والمآسي التي مرت بها خلال عامين.
تعبّر إلهام صالح، عن حجم الفقد والمعاناة التي تعيشها منذ اندلاع الحرب، وتقول: "فقدت والديْ، وبيتي، وصديقاتي، وعددًا كبيرًا من زملائي، ولم يتبقَّ لي سوى خيمة أعيش فيها وسط واقع قاسٍ".
وتضيف إلهام، التي نزحت من مخيم الشاطئ بمدينة غزة إلى مخيم في منطقة الزوايدة وسط القطاع: "لا أرى أي إنجاز أو فائدة مما حدث، لا على الصعيد الوطني ولا الشخصي، بل أشعر أنني خسرت كل شيء".

تجدد ذكرى الحرب حالة الجدل بين الفلسطينيين حول جدوى هجوم 7 أكتوبر، وما إذا كانت نتائج ما حدث بعد ذلك تستحق كل هذا الثمن.
بالنسبة للشاب أحمد مراد، فإن "الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة كبير"، مستدركًا: "لكن قبل السابع من أكتوبر لم تكن حياة الفلسطينيين وردية".
ويقول مراد، الذي يقيم مع عائلته في دير البلح، لـ"إرم نيوز": "الاحتلال كان يعمل على تدمير حياة الفلسطينيين، سواء بسبب طوفان الأقصى أو بدونه"، معتبرًا أن إسرائيل هي المسؤولة عن عدم التوصل إلى اتفاق، وهي من يجب أن تتحمل مسؤولية احتلالها لأراضي الفلسطينيين.
وبينما تترقب شهد الحاج أحمد مع عائلتها أخبار مفاوضات التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، تقول إن "إسرائيل لن تُوقف الحرب، وستكتفي بأخذ ما تبقّى لها من أسرى لدى حماس".
وتضيف لـ"إرم نيوز": "إسرائيل تريد أن تجعل غزة غير صالحة للعيش نهائيًا بعد كل الدمار الذي أحدثته فيها"، لافتة إلى أن ما يجري من مفاوضات لن يكون مختلفًا عن الجولات السابقة.
وتتابع: "دخلنا في نفق مظلم لا نهاية له، كل السيناريوهات التي تنتظرنا سيئة".

يختلف محمد أبو زايد، في نظرته لمفاوضات الاتفاق، ويقول لـ"إرم نيوز": "الواضح أن هناك اتفاقًا دوليًا على إنهاء الحرب في قطاع غزة".
ويضيف محمد: "تسببت الحرب في خسائر فادحة لنا، وليس أمامنا سوى انتظار الأمل بانتهائها"، مشيرًا إلى أن انتهاء الحرب سيجعل الفلسطينيين أمام تحديات كبيرة، من بينها إعادة الإعمار، وترميم كل مناحي الحياة التي دُمّرت خلال الحرب.