في خطوة وُصفت بأنها غير مسبوقة منذ الاستقلال الجزائري عام 1962، استقبل وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو ووزير الداخلية برونو ريتايو ظهر الثلاثاء، السفير الفرنسي المُعاد من الجزائر و12 دبلوماسيًا فرنسيًا تم طردهم من الجزائر، في لقاء رمزي عكس تصاعدًا مقلقًا في التوتر بين باريس والجزائر.
وكشفت محطة "بي.إف.إم" التلفزيونية الفرنسية أن جان-نويل بارو وبرونو ريتايو، استقبلا على التوالي، بعد ظهر الثلاثاء، الموظفين الدبلوماسيين والسفير الذين تم طردهم من الجزائر.
وقالت المحطة الفرنسية إن جان-نويل بارو، التقى أيضًا في اليوم نفسه، بسفير فرنسا لدى الجزائر، الذي تم استدعاؤه للتشاور في 15 أبريل/ نيسان الجاري، في سياق توتر متصاعد بين البلدين.
وعقب هذا اللقاء، اجتمع كل من بارو وريتايو مع الموظفين الفرنسيين الاثني عشر العاملين في السفارة الفرنسية بالجزائر، والذين تم طردهم الأسبوع الماضي، بحضور السفير نفسه، وقد وصف وزير الخارجية هذا الإجراء بأنه "غير مسبوق منذ عام 1962".
وقالت الباحثة السياسية كلير دومينيك ڤيرلان، في مركز مونتين للدراسات لـ"إرم نيوز"، إن "ما نراه اليوم هو نتيجة تراكمات غير محسوبة في العلاقات الفرنسية الجزائرية، خاصة بعد محاولات متأخرة للمصالحة في مارس الماضي.
واعتبرت ڤيرلان أن استقبال الوزراء الفرنسيين للدبلوماسيين المطرودين، بهذه العلنية والرمزية، لم يكن مجرد دعم معنوي، بل يحمل رسالة سياسية قوية للجزائر، مفادها بأن باريس لن تصمت بعد الآن على ما تعتبره "ابتزازًا دبلوماسيًا".
وتابعت:" لكن الخطر يكمن في المدى المتوسط، ففرنسا في حاجة فعلية إلى الجزائر لأسباب استراتيجية تتعلق بالهجرة، وأمن الساحل، والطاقة. التصعيد الحالي قد يُرضي الرأي العام الفرنسي لبعض الوقت، لكنه لا يخدم المصلحة الفرنسية طويلة الأمد".
وفي المقابل، قال الباحث في العلاقات الدولية جان-فيليب تريمو، في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS) لـ"إرم نيوز" إن "فرنسا لن تتجه إلى القطيعة، لكنها ستُصعّد ضغطها الرمزي والدبلوماسي لإعادة رسم قواعد العلاقة، المهم هنا أن ملف أمير بوخرس، الذي بدأ كقضية جنائية، تحوّل إلى فتيل أزمة دبلوماسية، الجزائر تقرأ هذا الملف كاختراق سياسي، في حين أن فرنسا تتعامل معه كمسألة سيادة وعدالة".
وحذر: "ما يقلقني هو أن التصعيد بات يحدث خارج القنوات التقليدية: الصحافة الجزائرية تشنّ حملات مباشرة على وزير الداخلية الفرنسي، وباريس ترد عبر خطوات رمزية قوية، وهذا يُغلق أبواب التهدئة، ويجعلنا أمام مشهد قابل للانفجار، خاصة إذا تورطت أطراف ثالثة في الملف".
وكانت السلطات الجزائرية طالبت في 14 أبريل/ نيسان بمغادرة 12 موظفًا دبلوماسيًا فرنسيًا، بعضهم يتبع وزارة الداخلية، خلال مهلة لا تتجاوز 48 ساعة، في ردّ واضح على توقيف ثلاثة جزائريين – بينهم موظف قنصلي – على خلفية تورطهم المفترض في قضية اختطاف المؤثر أمير بوخُرْس المعروف باسم "مارساك". وهي قضية اعتبرتها الجزائر "مسيّسة ومفتعلة"، بينما رأت فيها فرنسا "شبهات على صلة بالإرهاب".
في ردّ سريع، قامت فرنسا بطرد 12 دبلوماسيًا جزائريًا في خطوة وصفتها بأنها "إجراء احتجاجي متوازن قائم على المعاملة بالمثل".
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو: "ما حدث إجراء خطير وغير مبرر من الجانب الجزائري، لكننا نؤمن بضرورة استعادة قنوات الحوار على المدى المتوسط، فمصالح الشعبين تتجاوز هذه الأزمة".
غير أن تصريحات الجزائر جاءت أكثر حدّة، إذ حملت وزارة الخارجية الجزائرية وزير الداخلية الفرنسي "المسؤولية الكاملة" عن تدهور العلاقات، ووصفت خطاب الداخلية الفرنسية بـ"الواهي والعبثي".
يأتي هذا التصعيد بعد أسابيع فقط من إعلان الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والجزائري عبد المجيد تبون نهاية أزمة دبلوماسية طويلة، لكن توقيف الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال وتصريحات فرنسية ملتبسة حول العلاقات مع المغرب، أعادت إشعال فتيل الشك بين العاصمتين.