تشهد العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وفرنسا فتورًا غير مسبوق، وسط مؤشرات قوية على تحوّل استراتيجي في توجهات الجزائر التجارية.
وبعد عقود من التعاون القائم على إرث استعماري ولغوي مشترك، باتت الشركات الجزائرية تفضّل الانفتاح على شركاء آسيويين، أكثر مرونة وتكنولوجيا، وأقل تعقيدًا في التفاوض والتنفيذ.
وفي هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي الفرنسي من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS)، جون-فيليب بوتييه، إن "ما نشهده اليوم ليس مجرد فتور عابر، بل إعادة ترتيب جذرية في أولويات الجزائر الاقتصادية".
وأضاف بوتييه، لـ"إرم نيوز"، أن هناك رغبة واضحة في فك الارتباط مع فرنسا التي أصبحت في نظر دوائر الأعمال الجزائرية شريكًا مترددًا وبطيئًا مقارنة بديناميكية الصين وتركيا".
ولأعوام طويلة، كانت فرنسا الشريك الطبيعي للجزائر في مشاريع البنى التحتية والصناعة، مدعومة بقرب ثقافي ومؤسسي، لكنّ العلاقات الثنائية دخلت أخيرًا مرحلة جمود، وسط توقف عدد من المفاوضات بين شركات البلدين دون بوادر لاستئنافها، ما اعتبره مراقبون في الجزائر "إشارة قوية إلى نهاية مرحلة وبداية أخرى".
وبحسب المنتدى الاقتصادي الجزائري، فإن "الروابط التاريخية لم تعد مبررًا كافيًا للتعاون.. الأولوية أصبحت للكفاءة، والسرعة، والقدرة على نقل التكنولوجيا".
وفي إطار سياسة تنويع الشراكات، تتجه الجزائر بقوة نحو بلدان آسيوية مثل الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا، بالإضافة إلى تركيا.
واللافت أن هذه الدول أصبح يُنظر إليها كشركاء جادين وقادرين على مواكبة طموحات الجزائر الصناعية.
وفي منتدى اقتصادي استضافته الجزائر أخيرًا، تم توقيع 8 اتفاقات تعاون بين شركات جزائرية وصينية، خاصة في قطاع السيارات.
وأبدت علامات مثل Chery وOmoda وJetour نية واضحة للاستثمار المباشر، مع إنشاء مصانع محلية ونقل للمهارات التقنية.
ولا يمكن فصل هذا التحول عن الخلفية السياسية المتوترة بين باريس والجزائر في السنوات الأخيرة، خاصة على ضوء ملفات الذاكرة والتصريحات المتبادلة، لكن الأهم أن الجزائر تبحث عن شركاء يلبّون تطلعاتها التنموية بعيدًا عن الاعتبارات التاريخية.
ووفق بوتييه، فإن "الجزائر ترى أن التغيير ضروري، في عالم متعدد الأقطاب، لا يمكن أن تبقى رهينة لشريك واحد، خصوصًا إذا كان هذا الشريك يعاني أزمة ثقة داخلية وخارجية".
وبينما تتراجع فرنسا على الخريطة الاقتصادية الجزائرية، تبرز آسيا كوجهة المستقبل، مستفيدة من براغماتية السوق الجزائرية وسعيها لتسريع وتيرة التحديث الصناعي.
ومع تزايد التوقيعات الثنائية بعيدًا عن باريس، يبدو أن صفحة جديدة تُفتح في العلاقات الاقتصادية الجزائرية، عنوانها: الشراكة الفعالة لا العاطفية.