أرجع خبراء ومختصون تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن طرح ملف ضمّ الضفة الغربية على جدول أعمال حكومته، بعد أن كانت تجري الاستعدادات لعملية عسكرية بهذا الخصوص، إلى الضغوط التي مارستها بعض الدول العربية عبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأوضحوا لـ"إرم نيوز" أن التحذيرات العربية استندت إلى ما قد يترتب على الضم من انفجار الأوضاع وفقدان السيطرة على المشهدين الإقليمي والدولي، خصوصًا في ظل حالة الاحتقان واليأس السائدة فلسطينيًا، ما جعل هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر.
وأشاروا إلى أن استبعاد بند الضم من جدول أعمال حكومة تل أبيب لا يعني إسقاطه نهائيًا، بل تأجيله ليجري تنفيذه تدريجيًا في إطار عمليات أمنية محدودة، ريثما تتضح معطيات المرحلة المقبلة، وعلى رأسها التوجهات المتعلقة باعتراف متوقع بالدولة الفلسطينية، في ظل محاولات إدارة ترامب لعرقلة هذا المسار.
وغاب بند الضفة الغربية عن اجتماع الحكومة الإسرائيلية الذي كان من المقرر أن يشارك فيه الوزراء وقادة الأجهزة الأمنية، والمخصص لمناقشة خطة ضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية.
ويؤكد الباحث في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور نزار نزال، أن "تراجع الحكومة الإسرائيلية عن مناقشة ملف ضم الضفة الغربية خلال اجتماعها الأخير جاء نتيجة ضغوط عربية مورست عبر إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مستخدمة لغة المصالح التي تحكم العلاقة بين تلك الدول وواشنطن من جهة، ومستندة من جهة أخرى إلى تقديرات تشير إلى أن أي إعلان إسرائيلي عن ضم الضفة الغربية أو أجزاء واسعة منها، أو فرض السيادة عليها، سيقود حتمًا إلى انفجار الأوضاع على المستويين الدولي والإقليمي، بما يجعل السيطرة عليها أمرًا بالغ الصعوبة".
وأوضح نزال لـ"إرم نيوز"، أن "الدول العربية التي تواصلت مع ترامب شددت على أن المضي في هذا المسار سيدفع الأوضاع إلى المجهول، وسيضاعف حالة اليأس لدى الفلسطينيين، خاصة مع تفكيك البنية السياسية للشعب الفلسطيني في ظل معاناة السلطة من حصار اقتصادي خانق، وعجزها عن الوفاء بالتزاماتها تجاه موظفيها والقطاع الخاص منذ ما يقارب أربعة أشهر".
وبيّن أن "اليأس المتصاعد في الشارع الفلسطيني، إذا ما اقترن بقرار الضم، سيتحول إلى انفجار لا يمكن التكهن بمداه".
وأشار نزال إلى أن "تراجع نتنياهو يعكس بوضوح أثر الضغوط العربية التي وصلت إلى ترامب، والتي انعكست بدورها في تواصل غير معلن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، ليتقرر على أثره رفع ملف الضم من جدول أعمال الحكومة".
ولفت إلى أن "ظهور وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، يوم الأربعاء، لم يكن حدثًا مفاجئًا في سياق ملف الضم وإعلان السيادة، موضحًا أن نتنياهو هو من طلب منه عقد مؤتمر صحفي للإعلان عن نوايا الحكومة، في محاولة لإبقاء الفكرة حيّة في المشهد الإسرائيلي وعدم طيّها، إلا أن الضغوط الأمريكية على صانعي القرار في تل أبيب دفعت باتجاه تأجيل هذا الملف في الوقت الراهن".
بدوره، يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط، إبراهيم رشدي، أن "غياب ملف الضم عن جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية لم يكن مصادفة، بل جاء نتيجة ترتيب أمريكي يفضّل أن يتم تنفيذ مخطط الضم على مراحل، بما يتيح لواشنطن وتل أبيب مساحة أوسع للتعامل مع الضغوط والمواقف الدولية المختلفة".
وقال رشدي لـ"إرم نيوز"، إن "هذا الترتيب لا يعني تأجيل الضم أو التراجع عنه، بل يدفع باتجاه تنفيذه تدريجيًا ضمن عمليات أمنية وعسكرية محدودة، ريثما يتم التعامل مع مجموعة من المعطيات الراهنة، وفي مقدمتها ما يُتوقع خلال الأيام المقبلة من اعتراف أوروبي بالدولة الفلسطينية".
وأشار إلى أن "خطورة هذه الخطوة تكمن في كونها صادرة عن دول كانت على مدار عقود داعمة لإسرائيل ماليًا وعسكريًا وسياسيًا، مثل فرنسا وبريطانيا، وهو ما تحاول إدارة ترامب جاهدة عرقلته".
وبيّن رشدي أنه "يصعب تخيل أن دولًا مثل فرنسا، التي قدمت لإسرائيل دعمًا عسكريًا كبيرًا، أو بريطانيا، التي أسست سياسيًا وقانونيًا لقيام الدولة العبرية قبل أكثر من مئة عام، قد تذهب باتجاه الاعتراف بدولة فلسطينية، الأمر الذي يدرك ترامب خطورته جيدًا، أما نتنياهو، فيتعامل بمنطق أن لا قوة أو كيان يمكنه إيقاف مشاريعه التوسعية".
وتوقع رشدي أن إدارة ترامب مارست خلال الساعات الأخيرة ضغوطًا مباشرة على نتنياهو لعدم طرح ملف الضم في اجتماع الحكومة، بانتظار تجاوز أزمة الاعترافات الأوروبية المحتملة هذا الشهر، مشيرًا إلى أن وضع الضم على الطاولة في هذا التوقيت كان سيدفع تلك الدول نحو مواقف أكثر تحديًا، خاصة مع إدراكها لحجم الانفجار المتوقع إذا ما واصل نتنياهو سياساته التصعيدية.
وأكد رشدي أن "غياب الملف لا يعني التراجع عن خطة الضم، بل تفعيلها بصورة جزئية من خلال اقتطاعات تدريجية ومواجهات ميدانية محدودة، بعيدًا عن التصريحات العلنية التي فجّرت الجدل أخيرًا عبر تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش".
وأكد أن "التنسيق الأمريكي–الإسرائيلي قائم، ولا خلاف بين الطرفين حول المبدأ، لكن واشنطن ترى أن الضم يجب أن يدار بوتيرة أبطأ، وبخطوات متتابعة ومدروسة، بما يتناسب مع استحقاقات المراحل المقبلة خلال الأشهر القادمة، لتفادي أي اندفاع قد يفاقم الأزمات السياسية والأمنية".