تتقدم المفاوضات نحو تهدئة طويلة في قطاع غزة، قد تُفضي إلى انتهاء الحرب المدمّرة، والمستمرة منذ 18 شهراً، وسط تفاؤل أمريكي لا يتوفر دائماً، خصوصاً مع العراقيل التي دأب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على وضعها، مقابل تمسّك حركة حماس بـ"شروط مبدئية".
ووفق التقدير الإسرائيلي من المعارضين لنتنياهو، فإن الحرب كان ينبغي أن تنتهي قبل عام، كما صرّح بذلك مؤخراً رئيس الوزراء الأسبق، إيهود أولمرت، لشبكة "سي إن إن" عندما اعتبر أن الحرب المستمرة لا تخدم أبداً مصالح إسرائيل، إنما رئيس وزرائها الحالي.
وقبل عام، أي في الموعد الذي قال أولمرت إنه كان يجب أن تنتهي فيه الحرب، أظهر استطلاع رأي أجرته القناة 12 العبرية، أن 54% من الإسرائيليين يعتقدون أن الحرب في غزة، التي كانت مستمرة حينها منذ نحو 9 أشهر، تطول بسبب "اعتبارات سياسية" لنتنياهو.
والاعتبارات السياسية المعروفة لنتنياهو، هي محاولة تجنب المحاكمة والسجن وإنقاذ مستقبله السياسي، والحفاظ على تماسك حكومته خشية انسحاب الوزراء المتطرفين من الائتلاف الحاكم، وفي سبيل ذلك وضع أهدافاً عالية للحرب كـ"القضاء التام" على حركة حماس، وهو هدف لطالما استبعده قادة سابقون في الجيش.
لكن مع "التفاؤل" الأمريكي الذي عبّر عنه مبعوث الرئيس الأمريكي، ستيف ويتكوف، بإمكانية انتهاء الحرب، إثر الضغط الذي يمارسه الرئيس دونالد ترامب، ومع بقاء "اعتبارات نتنياهو" كما هي وأبرزها، محاولته تأجيل استحقاق السجن والمحكمة، فإن تقديرات سياسيين لا تستبعد أن يقدم على إشعال حرب تخلّصه من "مصير أولمرت".. السجن والمعارضة.
أبرز الاحتمالات هو "قصف استفزازي" لمواقع نووية إيرانية تستدعي رداً من طهران، وهو احتمال قائم بقوة، بحسب ما كشفت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" يوم الخميس، استناداً إلى لمعلومات قدمها مسؤولون إسرائيليون لإدارة الرئيس الأمريكي.
وفي تسريب "نيويورك تايمز"، فقد أمر نتنياهو مسؤوليه بالتخطيط لضربة أصغر حجماً لا تتطلب مساعدة أمريكية، مشيرة إلى أن التخطيط الإسرائيلي جاء بعد لقاء رئيس الوزراء مع ترامب في أبريل الماضي في البيت الأبيض، والذي أعلن فيه نيته بدء المفاوضات مع طهران.
ووفق تقدير للاستخبارات الأمريكية، فإن تل أبيب تعتقد أن الهجوم "المحدود الوقت" على إيران، سيجنّب الضغوط على نتنياهو لإلغائه، مع قناعة إسرائيلية أن واشنطن حينها لن يكون أمامها خيار سوى مساعدة إسرائيل خلال الضربة؛ ما قد يفضي إلى صراع شامل.
رغم توقيع اتفاق هدنة برعاية أمريكية وأممية، والتزام شبه تام من ميليشيا حزب الله اللبناني، يواصل الجيش الإسرائيلي غاراته على الجنوب، فيما يواصل احتلال خمس نقاط استراتيجية.
وذكرت وكالة رويترز في تقرير سابق أن قلقاً كبيراً عبّرت عنه رئاستا الجهورية والوزراء اللبنانيتان من مواصلة نتنياهو سياسة التلكؤ في تنفيذِ الانسحاب الكامل للقوّات الإسرائيليّة من لبنان لفترة إضافيّة قد تؤدي إلى تفجير الأوضاع من جديد؛ ما قد يؤدي إلى نشوب حرب.
لطالما كانت الضفة الغربية الهدف الأقوى لنتنياهو لإشعال حرب بمجرد انتهاء الأعمال العسكرية في غزة، وهو سيناريو طرحته بقوة صحيفة "هآرتس" العبرية في يناير/ كانون الثاني قبل عشرة أيام من الهدنة التي قطعها نتنياهو بعد استنئاف الحرب على القطاع في 18 مارس.
وقالت "هآرتس" إن "نتنياهو يسعى لتحويل الضفة الغربية إلى ما يشبه غزة"، ونقلت الصحيفة مطالب من داخل الحكومة تدعو لضرورة "إحداث تغيير جذري في التصور"، وهو ما يعني تنفيذ عملية عسكرية شاملة في الضفة الغربية مشابهة لتلك التي جرت عام 2002.
في الجبهة الجنوبية البعيدة، في اليمن، حيث ميليشيا الحوثيين تخوض حرب استنزاف منذ اندلاع الحرب على غزة، وفي الأيام الأخيرة شددت إسرائيل من هجماتها على الأماكن الحيوية مثل مطار صنعاء والموانئ، بعد استهداف مؤثر لمطار بن غوريون في مايو/ الجاري.
وكانت صحيفة التايمز البريطانية ذكرت في يناير/ كانون الثاني الماضي، أن نتنياهو يفكر "في حرب شاملة" بعد تصاعد الهجمات الصاروخية الحوثية، لكن مع انتهاء الحرب في غزة، فمن المتوقع أن تتوقف الهجمات المتبادلة بين صنعاء وتل أبيب، إلا إذا أراد رئيس الوزراء الإسرائيلي غير ذلك.
قد يبدو من المستبعد إشعال حرب في سوريا، بالنظر إلى التقارب الأمريكي الكبير مع دمشق، إضافة إلى التزام الإدارة الجديدة بـ "ضبط نفس" تجاه التوغل الإسرائيلي المستمر في الجنوب، والطلعات الجوية في الساحل ووسط البلاد.
كما أن المفاوضات المباشرة وغير المباشرة متواصلة بين المسؤولين السوريين والإسرائيليين؛ وهو ما يجعل احتمال تفجر الأوضاع مستبعداً.