بعد إعلان ميليشيات عراقية استعدادها لتسليم سلاحها، تُثار تساؤلات عن آليات تنفيذ حصر السلاح بيد الدولة، وحول ما إذا كانت الخطوة تمثل نزعاً فعلياً للسلاح أم إعادة تنظيم له ضمن الأطر الرسمية.
وخلال الأيام الماضية، أعلنت فصائل مسلحة، للمرة الأولى، موافقتها العلنية على مبدأ حصر السلاح بيد الدولة، عبر مواقف صدرت عن قيادات بارزة، وبالتوازي، تحدثت مصادر سياسية عن توجه لتشكيل لجنة تنسيقية عليا، بصلاحيات تنفيذية، لمتابعة ملف السلاح بكافة أنواعه، بما يشمل الأسلحة المتوسطة والثقيلة والطائرات المسيّرة، دون استثناء أي جهة.
وتستند المقاربة الحكومية المطروحة، بحسب المعلومات المتداولة، إلى الاستفادة من تجارب سابقة مر بها العراق، سواء تجربة حزب العمال الكردستاني في تسليم السلاح ضمن آلية منظمة وتحت إشراف دولي، أو تجربة الصحوات السنية بعد العام 2010، حين جرى سحب السلاح الخفيف مقابل دمج المقاتلين في مؤسسات الدولة.
غير أن تعقيدات الواقع الحالي، وحجم التسليح، وتشابك الولاءات، تجعل من استنساخ أي من النموذجين مسألة شديدة الصعوبة.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاستراتيجي، جواد الدهلكي لـ"إرم نيوز" إن "المرحلة المقبلة ستتجه نحو تسليم السلاح وليس مجرد حصره، بما يشمل الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، عبر آليات تنفيذية تدار من قبل الدولة وبإشراف مباشر من المؤسسات الأمنية".
وأضاف أن "الاتجاه الحالي يشير إلى تسريح الأفراد بشكل كامل، وليس الإبقاء عليهم ضمن تشكيلات مسلحة موازية، وهو ما يمثل تحولا عن الصيغ السابقة التي أبقت السلاح مخزناً أو قابلاً للاستخدام في أي وقت".
وتشير المعطيات إلى أن الرؤية المطروحة لا تقتصر على الجانب الداخلي فقط، بل تأتي في سياق رسائل سياسية متعددة الاتجاهات، إذ مثل الإعلان الصادر عن قوى داخل الإطار الشيعي بدعم حصر السلاح بيد الدولة على أنه محاولة لإظهار جدية في التعامل مع هذا الملف، ولاسيما أمام الولايات المتحدة، التي تضع قضية الميليشيات المسلحة في صدارة أولوياتها في العلاقة مع بغداد.
وبحسب المعلومات، فإن هذا التوجه يؤشر أيضاً تبلور تيار داخل الإطار الشيعي يدفع باتجاه تحييد العراق عن صراعات إقليمية مفتوحة، وتجنب الانخراط في مواجهات مرتبطة بملفات إيرانية – أميركية أو إيرانية – إسرائيلية، مع وجود إشارات إلى انضمام شخصيات نافذة إلى هذا المسار، بما يعزز ثقله داخل المعادلة السياسية.
بدوره، قال الباحث السياسي علي ناصر إن "الآلية حتى الآن غير واضحة، سواء على مستوى الحكومة أو عبر تشريعات صادرة عن مجلس النواب، فيما يتعلق بدمج الفصائل أو تسليم السلاح".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "العديد من الفصائل منضوية أصلاً تحت هيئة الحشد الشعبي، التي ترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، ما يجعل الملف أكثر تعقيداً من الناحية الفنية والعسكرية".
وأشار إلى أن "الضغوط الأميركية في هذا الاتجاه تبدو فوضوية من وجهة نظر أطراف عراقية، خاصة في ظل التأثير السياسي الكبير لقادة فصائل يمتلكون تمثيلاً نيابياً واسعاً".
لكن مصدراً مطلعاً على كواليس الاجتماعات التي عُقدت في وزارة الدفاع العراقية، بين رئيس أركان الجيش عبد الأمير يار الله مع الملحق العسكري الأميركي ستيفاني باغلي، فإنه تم الاتفاق على مبدأ تسليم سلاح الفصائل إلى وزارة الدفاع العراقية.
وأوضح المصدر الذي طلب حجب اسمه لـ"إرم نيوز" أن "الاتفاق يتضمن توزيع الأسلحة وفق الاختصاص، بحيث تُسلم الطائرات المسيّرة للقوة الجوية، والأسلحة الخفيفة إلى الصنوف المعنية، فيما تتولى وزارة الدفاع إدارة الأسلحة الثقيلة".
وأضاف أن "الرؤية الأميركية لا تفرق حتى الآن بين الحشد الشعبي والفصائل المسلحة، وهو ما يشكل إشكالية كبيرة للعراقيين، فضلاً عن امتلاك واشنطن معلومات تفصيلية عن الرواتب والتمويل، ما يضع الحكومة أمام مأزق حقيقي في حال انكشاف كل المعطيات دفعة واحدة".
وتروج شخصيات مقرّبة من الميليشيات العراقية إلى سيناريو يقوم على دمج هذه التشكيلات داخل هيئة الحشد الشعبي، مع تسليم السلاح إلى مخازن الحشد، باعتباره المسار الأكثر قابلية للتطبيق في المرحلة الراهنة.
غير أن هذا الطرح يُوصف، بحسب تقديرات مختصين في الشأنين الأمني والسياسي، بأنه مسار "ملغوم"، نظراً لما يحمله من تعقيدات قانونية وسياسية، واحتمالات إعادة إنتاج الإشكال نفسه بصيغة مؤسسية مختلفة، بدل إنهائه بشكل تام.