على مدى عقود شكّل سلاح حزب الله معضلة أساسية في الحياة السياسية اللبنانية؛ إذ بقي الحزب متمسكاً بترسانته العسكرية بحجة مواجهة إسرائيل، فيما اعتبر خصومه أنّ هذا السلاح بات عبئاً على الدولة وسبباً في عزلتها.
اليوم، وبعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي وُصفت بأنّها الأقسى منذ حرب تموز العام 2006، يعود الملف إلى الواجهة مجدّداً مع نقاش داخلي حول آلية عملية لنزع السلاح عبر الجيش اللبناني، في ظلّ ضغوط أمريكية ودولية متزايدة.
يرى مايكل يونغ، مدير تحرير مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، أنّه من الصعب تحديد حجم الخسائر بدقة؛ لأنّ حزب الله لا يكشف أرقامه ولا يعترف بخسائره.
ومع ذلك، يؤكّد أنّ الحزب خسر كميّة من الأسلحة خلال المواجهات الأخيرة، وأنّ هناك مؤشرات على تقييد في نوعية الأسلحة المستخدمة، إذ لم يُظهر الحزب استخدام الصواريخ الموجّهة بدقة، وهو ما يرجّح أنّه كان قراراً سياسياً من إيران أكثر من كونه فقداناً لهذه القدرات.
ويضيف يونغ أنّ الحزب ما زال يحتفظ بأسلحة خفيفة ومتوسطة، مثل راجمات الكاتيوشا وقذائف الـRPG، لكن وضع الأسلحة الثقيلة يبقى غامضاً وصعب التقدير.
من جهته، يوضح الخبير العسكري والاستراتيجي العميد الركن المتقاعد خالد حمادة أنّ الضربات الإسرائيلية أصابت بنية الحزب التحتية وألحقت به خسائر بشرية كبيرة، وهو أمر اعترف به حتى قادة الحزب أنفسهم.
ويشير إلى أنّ إسرائيل نجحت مراراً في استهداف كوادر قيادية وعسكرية بارزة، الأمر الذي أضعف التنظيم على مستويات متعددة، حتى وإنْ حاول الحزب تصوير نفسه بأنه لا يزال قادراً على القتال.
يتفق المتحدثان على أنّ مصير السلاح لم يعد قراراً لبنانياً صرفاً. فبحسب يونغ، القيادة السياسية للحزب تلقت ضربات موجعة بمقتل حسن نصر الله وهاشم صفي الدين وقادة الصف الأوّل خلال الحرب الأخيرة، وهو ما جعل القرار العسكري والسياسي النهائي بيد إيران.
أمّا حمادة فيرى أنّ تصريحات المسؤولين الإيرانيين الأخيرة، التي أكّدت أنّ الحزب لن يتخلى عن سلاحه، موجّهة أساساً إلى واشنطن وليست إلى بيروت، في محاولة لإبراز أنّ لبنان ما زال ورقة تفاوض إيرانية.
رغم أنّ الحكومة اللبنانية أقرّت مبدأ حصر السلاح بيد الدولة، إلّا أنّ التنفيذ يواجه عقبات معقّدة. وهنا يشرح يونغ أنّ العقبة الأولى هي رفض الحزب، أمّا العقبة الثانية فهي الطابع الطائفي للنظام اللبناني، إذ إنّ أيّ خطوة تُعتبر خسارة للحزب أو لحركة أمل تُترجم فوراً كخسارة للطائفة الشيعية ككل؛ ما يجعل المجتمع الشيعي متردّداً في التخلي عن السلاح خوفاً من أن يُنظر إليه كشريحة ضعيفة في مواجهة التحولات الإقليمية.
ويؤكّد حمادة أنّ الحكومة لم يعد لديها ترف المناورة، وأنّها مضطرة للسير في خطة لنزع السلاح حفاظاً على موقع لبنان في المجتمع الدولي.
ويقترح حمادة أن تكون الآلية تدريجية، عبر توزيع مناطق النفوذ على مراحل، بمشاركة الجيش وربّما تعزيز دور قوات اليونيفيل، مع تحديد مصير السلاح المصادر إمّا للجيش أو لإعادته إلى إيران، وفق ما تقرّره الحكومة.
ويحذّر يونغ من أنّ استمرار الحزب في الاحتفاظ بسلاحه سيجعل لبنان أمام سيناريوهات قاتمة: إسرائيل قد توسّع ضرباتها أو تعيد احتلال الجنوب، وربّما تفرض على لبنان معاهدة سلام بالقوة. داخلياً، ستزداد الأصوات التي تتهم الحزب بأنّه سبب عزلة لبنان الاقتصادية والمالية.
ومن جهته، يرى حمادة أنّ أي مواجهة مقبلة ستصطدم بواقع مختلف عن سنوات ما بعد 2006؛ إذ إنّ المزاج الإقليمي لم يعد ميّالاً للمساومة مع إيران، وإنّ الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لن يسمحا ببقاء لبنان ورقة تفاوض إيرانية كما في السابق.
يخلص يونغ إلى أنّ الحزب يدفع طائفته نحو عزلة أكبر، إذ بات هناك إجماع لبناني واسع بأن "كفى"، وأنه لا يمكن القبول بوجود جيش موازٍ مدعوم من قوة إقليمية.
ويذهب حمادة أبعد من ذلك، معتبراً أنّ حزب الله فقد شرعيته الداخلية والخارجية، وأن البيئة الشيعية نفسها لن تنخرط في أي مواجهة جديدة، بل ستدفع ثمن سياسات الحزب الإقليمية.
بين معادلة الداخل وضغوط الخارج، يقف لبنان أمام لحظة حاسمة: إمّا أن ينجح في استعادة القرار السيادي على السلاح، أو أن يدخل في جولة جديدة من الصراع قد تضعه مجدداً في قلب المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية على أرضه.
شاهدوا أيضاً: بين سوريا وإسرائيل: اتفاق سلام مؤجّل.. والجولان كلمة السرّ