كشفت مصادر دبلوماسية فرنسية رفيعة المستوى، أن إيران تُجهّز خطة "قلب الطاولة" في لبنان، والتي سيكون تنفيذها مرهونا بما ستحمله الورقة التي سيخرج بها الجيش اللبناني في نهاية الشهر الجاري، والمتعلقة بالجدول الزمني والتحرك الفعلي لتنفيذ قرار حصر سلاح مليشيا حزب الله والميليشيات بالداخل، قبل 31 ديسمبر من العام الجاري، وهو القرار الصادر عن الحكومة اللبنانية قبل 10 أيام.
وأفادت المصادر في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن أبرز ملامح هذه الخطة وهيكلها الرئيس، هو إصدار تكليف تنفيذ للميليشيا اللبنانية بالذهاب إلى جر إسرائيل إلى حرب وإشعال هذه الجبهة، وذلك عبر توجيه "حزب الله" رشقات صاروخية طويلة المدى إلى المستوطنات في شمال إسرائيل ومدن إسرائيلية وصولًا إلى تل أبيب.
وبيّنت المصادر الفرنسية أن حزب الله سيتحرك في هذه الخطة التي تستهدف إشعال الحرب على الجبهة اللبنانية، في إطار الرد على الضربات والاستهدافات والاغتيالات الإسرائيلية المستمرة لعناصر الميليشيا اللبنانية في جنوبي لبنان، وهي الذريعة التي ستكون على أثرها عملية جر إسرائيل رسميا لهذه المواجهة.
وبحسب المصادر، فإن إيران تراهن وتعتمد في هذه الخطة على أن الذرائع متوفرة لحزب الله لتنفيذ عملية "قلب الطاولة"، والتي لها هدفان: الأول، تفجير خطة الحكومة اللبنانية التي يُجهز لها الجيش لسحب سلاح حزب الله.
أما الهدف الثاني للعملية، على حد قول المصادر، فهو أن تفرض طهران نفسها بشكل حقيقي في تفاوض من نوع جديد مع الولايات المتحدة، يعرقل أيضا أي تجهيزات لحرب إسرائيلية أمريكية جديدة على إيران، ليكون لبنان هو البديل وأرض المعركة بتوجيه الحرب عليه من جانب إسرائيل، لتنشغل الأخيرة بذلك عما تجهزه حاليا استعدادا لتوجيه ضربات جديدة إلى العمق الإيراني، تكون حربا ثانية بعد الأولى التي كانت في يونيو الماضي.
وأضافت المصادر أن خطة "قلب الطاولة" ستكون على أثر تعامل إيران بشكل مباشر بعد خروج خطة الجيش والوقوف على ملامحها، وطرح طهران من جديد على الحكومة اللبنانية تبعات سحب السلاح، وفي حال مضي الدولة اللبنانية عبر الجيش والرئاسة والحكومة في التنفيذ، ستكون هذه الخطة "قلب الطاولة" واجبة التنفيذ من خلال حزب الله.
وبدوره، يرى أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة اللبنانية في بيروت، الدكتور خالد العزي، أن طهران تقول وتفعل ما تريد، لكن هناك تصورا كاملا لدى الدولة والحكومة اللبنانية بأن المطالب الإيرانية باتت غير حاضرة، وهو ما شدد عليه رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، بأن التدخل في الشؤون اللبنانية خط أحمر.
وأفاد "العزي" في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن أمين عام الأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، في زيارته الأخيرة إلى لبنان، وضع كل التصورات والخطط أمام ما يشغله في الداخل "حزب الله"، وراغب في هذه المرحلة، قبل خروج خطة الجيش، أن يرسم صورة مفادها أن هناك قوتين محيطتين بلبنان: أمريكية تفرض وتعطي أوراقا، وإيرانية تحاول الإرشاد والنصح والوقوف مع لبنان.
وبيّن "العزي" أن لاريجاني في هذه المقارنة، استخدم في الوقت نفسه خلال حديثه "الغمز والليونة"، وذلك بمضمونين: الأول، أنه يعرف أن بلاده لا تستطيع الوقوف في وجه الولايات المتحدة، والثاني، أنه طرف في عملية السلاح وليس مراقبا كما هو حال الدولة اللبنانية، لذلك عندما وقّع حزب الله على اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، لم يكن بقرار شخصي ولكن بأوامر من إيران.
وأشار إلى أن لاريجاني يحاول حتى الآن وخلال الأسابيع المقبلة، استمالة الموقف اللبناني وبعثرة الأوراق للقول إن إيران لا تزال تملك الصفة الفعلية في تقرير السياسة الجيوسياسية، نتيجة علاقتها المحورية بالمنطقة، وأن سلاح حزب الله يُستخدم لدعم القرارات الإيرانية، ومن ثم هو سلاح له خدمة إقليمية من أجل الأجندة الإيرانية.
ويقول الخبير في الشأن الإيراني، هاشم سليمان، إن طهران لا يوجد أهم من سلاحها الذي وضعته في السنوات الأخيرة بين العراق واليمن وسوريا، والأكثر أهمية في لبنان بيد ميليشيا حزب الله، وذلك بغرض تنفيذ مشروعها الإقليمي التوسعي وفرض أوراقها دوليا، لتتكسب منها عبر عدة طرق، في صدارتها الترهيب بالسلاح.
وذكر سليمان في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن ليس لدى النظام في طهران أي خيار أمام عدم المساس بهذا السلاح سوى الحفاظ عليه بكل قوة، حتى لو كان المقابل أن يكون لبنان ضحية ويتحول إلى دولة منهارة على الأرض ليس لها قيام من جديد.
وأوضح سليمان أن الخيارات محدودة أمام طهران فيما يتعلق بسلاحها مع حزب الله، ولن يكون بخصوصه أي حوار أو تفاهم إلا مع الولايات المتحدة، ليُستخدم كورقة في رفع العقوبات واستمرار برنامجها النووي بأقل الطموحات التي تراهن عليها طهران، مقابل حفظ أمن إسرائيل، حيث إن أهمية سلاح حزب الله في هذه الجبهة بالدرجة الأولى هي مقايضة الولايات المتحدة حول ملفات النووي والعقوبات.