أظهرت دراسة حديثة أجراها باحثون من التجمع الدولي لجينومات الطب النفسي في جامعة أوسلو أن معظم التأثيرات الوراثية المرتبطة بالاضطرابات النفسية تتشارك عبر فئات تشخيصية متعددة، وهو ما يشير إلى شبكة بيولوجية مترابطة أكثر مما كانت التصنيفات التقليدية توحي به.
وجاءت الدراسة، التي نشرت في دورية "Nature"، بعد تحليل بيانات الجينوم الخاصة بأربعة عشر اضطرابًا نفسيًا يصيب الأطفال والبالغين، وتشمل الاكتئاب والقلق، إضافة للفصام والاضطراب ثنائي القطب، واضطراب ما بعد الصدمة والوسواس القهري، واضطرابات الأكل واضطرابات تعاطي المواد المخدرة، وفرط الحركة وتشتت الانتباه، والتوحد، ومتلازمة توريت.
كشفت الدراسة أن غالبية المخاطر الوراثية الموروثة عبر هذه الاضطرابات يمكن تفسيرها بخمسة "عوامل جينومية" أساسية تمثل أبعادًا واسعة من القابلية الوراثية المشتركة.
وهي الاضطرابات القهرية: الوسواس القهري وفقدان الشهية العصابي ومتلازمة توريت، والفصام والاضطراب ثنائي القطب، والاضطرابات النمائية العصبية: فرط الحركة وتشتت الانتباه والتوحد، إضافة للاضطرابات الداخلية: الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة، واضطرابات تعاطي المواد المخدرة: الكحول والأفيونات والنيكوتين والقنب.
وتشكل هذه العوامل الخمسة معًا نحو ثلثي المخاطر الوراثية للأمراض النفسية الفردية، ما يشير إلى أن التشخيصات المختلفة غالبًا ما تعكس اختلافات في مسارات وراثية مشتركة بدلا من كونها حالات منفصلة تمامًا.
تمكن الباحثون من تحديد أكثر من 100 منطقة في الجينوم تؤثر في عدة اضطرابات في الوقت نفسه، مع تميز منطقة على الكروموسوم 11 كـ"نقطة ساخنة" مرتبطة بثمانية من بين الأربعة عشر اضطرابًا، وتتضمن جينات سبق ربطها بالإدمان وخصائص نفسية أخرى.
وبشكل إجمالي، كشفت الدراسة عن 428 موضعًا جينيًا يسهم في المخاطر المشتركة بين الاضطرابات، من بينها 268 موضعًا مرتبطًا مباشرة بالعوامل الجينومية الخمسة.
ومن خلال دمج النتائج الجينومية مع بيانات عن أنسجة الدماغ البشري النامي والبالغ، أشارت الدراسة إلى العمليات البيولوجية والخلايا العصبية المشتركة بين الاضطرابات، مثل الخلايا العصبية المثيرة والخلايا الدبقية الميالينية، بما يوفر خريطة أكثر وضوحًا للطبيعة البيولوجية للأمراض النفسية.
وأكد الباحثون أن النتائج تمثل خطوة مهمة نحو فهم الأمراض النفسية على أساس بيولوجي أكثر، وتحديد مسارات علاجية تستهدف المخاطر الوراثية المشتركة بين الحالات التي غالبًا ما تترافق معًا.
