تتصاعد المخاوف في محافظة البصرة جنوبي العراق، من تمدد اللسان الملحي على نحو غير مسبوق، وسط تحذيرات من أزمة تهدد مياه الشرب والأراضي الزراعية وأمن المحافظة الاجتماعي والاقتصادي.
وتأتي هذه التطورات في ظل جفاف غير مسبوق هو الأوسع منذ أكثر من تسعين عامًا، وانهيار مناسيب نهري دجلة والفرات إلى أدنى مستوياتها المسجّلة تاريخيًا.
وشهدت مناطق شمال البصرة خلال الساعات الماضية وقفة احتجاجية قرب ضفاف شط العرب، تنديدًا بالواقع المائي، وتقدم اللسان الملحي لمسافة تتجاوز مئتي كيلومتر، في وقت لم يعد يفصل موقع الاحتجاجات عن حدود ذي قار وميسان أكثر من ثلاثين كيلومترًا فقط.
ويحذر السكان من أن استمرار وصول الملوحة إلى ملتقى نهري دجلة والفرات يمثل مؤشرًا خطيرًا على قرب دخول محافظات الجنوب في مرحلة شح مائي خانق، خصوصًا بعد أن سجلت بعض محطات التحلية الأهلية نسب ملوحة بلغت 10 آلاف جزء في المليون.
بدوره، قال المواطن منتظر المياحي، إن "تحول مياه شط العرب جنوب القرنة إلى مياه مالحة أجبر الأهالي على الخروج للتظاهر، ولن يكون أمامهم سوى منح الحكومة المحلية والاتحادية أسبوعًا فقط لإيجاد حل لهذه الازمة".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "المناطق الشمالية من البصرة باتت على خط المواجهة المباشر، وأي تأخير في المعالجة سيقود إلى انفجار شعبي، لأن الملوحة تهدد مياه الشرب والزراعة والحياة اليومية بشكل كامل".
واللسان الملحي يمثل دخول مياه البحر المالحة إلى مجرى الأنهار بسبب ضعف الإطلاقات المائية، وانخفاض مناسيب دجلة والفرات، وهو ما يؤدي إلى تقدم الملوحة مئات الكيلومترات نحو الداخل، مهددًا مصادر مياه الشرب والزراعة والاستقرار البيئي في جنوب العراق.
وبحسب المواطن، رياض طعمة، فإن "ما يحدث اليوم هو المرة الأولى التي يصل فيها اللسان الملحي إلى ملتقى دجلة والفرات، والسبب يعود إلى عاملين؛ تقدم الملوحة من الخليج، وسحب المياه نحو البصرة عبر قناة السويب من دون إطلاقات كافية من دجلة والفرات".
ويضيف لـ"إرم نيوز" أن "ما حصل يكشف غياب الإدارة المائية السليمة، ويجعل مناطق واسعة من شمال البصرة مهددة بالعطش خلال أسابيع".
وفي وقت سابق، حذرت وزارة الموارد المائية من تفاقم ظاهرة اللسان الملحي في شط العرب وتأثيرها المباشر على سكان البصرة، مؤكدة أن انخفاض تصاريف ناظم قلعة صالح باتجاه دجلة والبصرة تسبب بتوسع التغلغل الملحي في مناطق الدير ومركز المحافظة.
وتقول الوزارة إنها "تبذل جهودًا دبلوماسية للضغط على تركيا وإيران لزيادة الإطلاقات المائية، خصوصًا في نهر الكارون".
بدوره، يرى الباحث في مجال الموارد المائية، تحسين الموسوي، أن "عدم وجود إطلاقات مائية كافية لدفع اللسان الملحي، وتوقف نهر الكارون من الجانب الإيراني بشكل كامل، وعجز الفرات عن الوصول إلى مناطق في ذي قار والمثنى، كلها عوامل جعلت الملوحة تتمدد بسرعة غير مسبوقة".
أوضح الموسوي في حديث لـ"إرم نيوز" أن "الخزين المائي المتاح في السدود لا يتجاوز 4 مليارات متر مكعب، وهو رقم غير كافٍ، فيما يحتاج دفع اللسان الملحي إلى كميات ضخمة من المياه غير المتوفرة حاليًا".
وأضاف أن "المشهد معقد وصعب للغاية، وقد تحتاج الحكومة إلى إجراءات طارئة تشمل إيقاف الأنهر الفرعية، وزيادة الإطلاقات المباشرة نحو البصرة، لكن هذه حلول قصيرة الأمد ولا تعالج جذور الأزمة".
وتتزامن أزمة اللسان الملحي مع موجة جفاف تعد الأسوأ منذ عام 1933، إذ أكدت وزارة الموارد المائية أن إيرادات دجلة والفرات هبطت 27%، مقارنة بالعام الماضي، فيما انخفض مخزون السدود إلى 8%، من طاقتها التخزينية، بتراجع يصل إلى 57%.
ويطرح خبراء ضرورة تنفيذ مشروع البوابة المتحركة في البصرة، الذي طرح عام 2017 بكلفة 3 مليارات دولار، لصد اللسان الملحي دون التأثير في الملاحة، في وقت تتصاعد التحذيرات من أزمة مائية هي الأكبر قد تواجهها مدن الجنوب.