في قلب منطقة "بورى" الواقعة شرقي غينيا، يعيش آلاف الأطفال تحت وطأة عمل قاسٍ لا يرحم، داخل مناجم الذهب التقليدية، حيث يغوصون يوميًا في أعماق الأرض، باحثين عن أمل ضئيل في حياة أفضل.
هؤلاء الأطفال، الذين كان يفترض أن يكونوا على مقاعد الدراسة، يجدون أنفسهم بين أروقة الأنفاق المظلمة، حاملين أوهامًا عن قطعة ذهبية قد تنقذهم من واقعهم.
وبحسب تقرير ميداني نشرته صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، فإن ظروف العمل داخل المناجم أشبه بـ"العبودية الحديثة"، حيث يضطر الأطفال والمراهقون للعمل لساعات طويلة في أجواء خانقة ورطبة، وسط معدات بدائية وبيئة مهددة بالانهيار في أي لحظة.
ونقلت الصحيفة شهادة طفل يُدعى موسى، ويبلغ من العمر 14 عامًا، الذي وصف عمله الشاق في بئر عمقها 8 أمتار بأنه "جحيم يومي"، لكنه يواصل الحفر أملاً في إيجاد "الحبة الذهبية"، التي تمكّنه من الهروب نحو المجهول.
والمشهد في مناجم بورى، التي تُشبه خلية نحل ضخمة، يعكس حجم الأزمة الاجتماعية التي تعاني منها غينيا، حيث يعمل أكثر من 2000 شخص في موقع واحد فقط، بينهم نساء يحملن أطفالهن على ظهورهن، وينهمكن في غسل الطين بحثًا عن ذرات الذهب، فيما يساعد الصغار أمهاتهم أو أقاربهم في أعمال لا تناسب أعمارهم.
ورغم القوانين الرسمية التي تحظر عمل الأطفال، إلا أن الواقع الميداني يثبت عكس ذلك، حيثُ يدفع الفقر، وغياب فرص التعليم، وتفكك الأسر، بالأطفال إلى دخول هذا العالم الخطير.
من جهتها، تقول "ماكورا"، وهي أم شابة، إنها لا تملك خيارًا آخرًا بعد أن هجرها زوجها، لتجد نفسها تعمل في الحفر برفقة ابنها الرضيع.
وشهدت المنطقة، في شهر شباط/فبراير الماضي، حادثة مأساوية راح ضحيتها 7 أطفال، تتراوح أعمارهم بين عام و6 أعوام، بعد أن انهار عليهم ملجأ صخري كانوا يلهون تحته بالقرب من موقع التعدين.
ووفقًا للصحيفة، فان حوادث انهيار الأنفاق تتكرر، وسط غياب أي نوع من معايير السلامة أو إشراف حكومي حقيقي.
وتشير التقديرات إلى أن عدد العاملين في قطاع الذهب التقليدي تضاعف 3 مرات خلال العقد الأخير، بفعل التضخم السكاني والبطالة.
ومع نضوب أغلب الرواسب السطحية، بات التنقيب أكثر صعوبة، وأقل ربحًا، حيث لا يتجاوز دخل العامل اليومي في بعض الأحيان بضعة يوروهات، تُقسم بين عدة أفراد يعملون في بئر واحدة.
ونقلت الصحيفة عن طفل يُدعى إدريسا ويبلغ 15 عامًا من العمر، قوله إنه جاء من مالي إلى غينيا برفقة شقيقه الأصغر، بعد أن سمع عن فرص العمل في مناجم الذهب، مضيفًا "أن هدفه الحقيقي هو تأمين تكاليف الرحلة إلى أوروبا، التي قد تصل إلى 6000 يورو، على أمل أن يصبح لاعب كرة قدم مثل نجمه المفضل لامين يامال".
في ظل هذا الواقع المؤلم، تبدو السلطات الغينية عاجزة عن مواجهة الظاهرة، رغم ما تعلنه من جهود توعوية ورقابية.
ويقول سليمان كويتا، رئيس بلدية "سيغيري"، إن الدولة تعمل على تنظيم عمل المناجم، لكنها تواجه تحديات كبيرة بسبب الزيادة السكانية العشوائية وغياب البنية التحتية.
ويرى مراقبون أن استمرار هذا الوضع يُهدد بضياع جيل، تخلّى عن التعليم ووقع في فخ الأحلام الزائفة، حيثُ تتآكل طفولة الآلاف بين أوهام الذهب والمهجر، بينما يظل الحلم بالنجاة معلقًا على "حبة ذهبية" قد لا تأتي أبدًا، بحسب ما نقلت الصحيفة.