بعد عرضه في العديد من المهرجانات الدولية الخارجية، يحط فيلم "راضية" رحاله أخيراً في دور العرض المغربية ليصبح متاحًا للجمهور للمرة الأولى على نحو تجاري عبر الشاشات الوطنية، بعد أن ظل يحصد الإعجاب النقدي والجوائز في أكثر من مناسبة خارج البلاد.
يحمل الفيلم العديد من التحديات الفنية، فهو لا يقدم حبكة درامية بالمعنى المتعارف عليه، ولا تتضمن أحداثه "قصة" أو "حدوتة" بحسب المفهوم التقليدي الشائع، وإنما يرصد حالة نفسية داخلية لمعاناة المرأة في صمت وهي تبحث عن تحقيق ذاتها كفرد دون الخضوع لإرادة الجماعة، عبر امرأة من الطبقة المتوسطة تريد أن تتجاوز القيود المجتمعية الخانقة.
يطرح العمل، كذلك، عدة قضايا نسوية أخرى بشكل غير مباشر، أبرزها مفهوم الأنوثة وكيف يختصره كثيرون في سلوكيات جاهزة وتصرفات متوقعة من حواء، على نحو يصادر رغبتها في تحقيق ذاتها مهنيًا واجتماعيًا وإنسانيًا.
تبدو الشخصيات النسائية هنا مأزومة، هشة، تعاني الضعف الداخلي والضغوط الخارجية، على نحو يجعل الحوار المعتاد بينها وبين الآخرين نادرًا، بينما يتم التعبير الدرامي عن نفسها من خلال الحوار الداخلي مع النفس عبر تقنية "المونولوج" للكشف عما بداخل الشخصية من مخاوف عميقة.
وكي يكتمل الطابع التجريبي غير المعتاد للفيلم، اعتمدت مخرجة العمل خولة بنعمر على اللونين الأبيض والأسود، ما يلقي بمزيد من الظلال الرمادية على معاناة البطلات، لا سيما تلك الفتاة التي اشتُق عنوان الفيلم من اسمها، وكأننا أمام سؤال فلسفي يطرحه العمل: متى تشعر المرأة بأنها "راضية"، هل حين "ترضى" عن نفسها أم حين "يرضى" عنها الآخرون؟
مدة الفيلم 81 دقيقة، وتؤدي بطولته سونيا الملاح وحفصة الطيب، وهو التجربة الثانية لخولة بنعمر التي قدمت نفسها للجمهور في 2017 لأول مرة عبر فيلم "نور في الظلام"، الذي يحكي قصة امرأة تؤدي دورًا رئيسًا في حياة رجل مكفوف.