بدأت صالات السينما في العراق، عرض فيلم "أناشيد آدم" لمؤلفه ومخرجه العراقي عدي رشيد، وسط ترقب لمعرفة مدى استقطاب الأفلام الفلسفية العراقية لجمهور السينما المحلي.
واستقطب الفيلم نقاداً سينمائيين كثر من العراق وخارجه، للكتابة عنه ومحاولة تفكيك رسائله، منذ عرضه في مهرجان البحر الأحمر في السعودية في ديسمبر الماضي، وفوزه بجائزة أفضل سيناريو في المهرجان.
لكن تلك الجائزة وذلك التقييم الإيجابي والإشادة بفيلم "أناشيد آدم" من قبل النقاد السينمائيين الذين يصنفه بعضهم بين الأفلام العالمية التي تستحق المشاهدة، يواجه في الجانب الآخر، صعوبات في تحقيق النتيجة ذاتها لدى الجمهور.
فالأفلام السينمائية العراقية الجديدة شحيحة منذ سنوات طويلة، ما حرم التجارب الفردية مثل "أناشيد آدم" من الاستفادة من جمهور سينمائي عراقي للأفلام المحلية، تراكمت لديه خبرة وشغف وانتظار للجديد.
كما أن الإقبال على دور العرض محدود أيضاً في العراق، وهو ما يتجلى في غياب إحصائيات رسمية محدثة أسبوعياً لمبيعات شباك التذاكر على غرار كثير من الدول التي تشكل السينما فناً رئيسياً ونشطاً فيها.
وتبرز عقبة جديدة في طبيعة الفيلم الفلسفية، فلا قصة سينمائية اعتيادية حول حب أو جريمة أو صراع بين البشر أو مع الطبيعة وكوارثها، ولا ممثلين عراقيين من نجوم الصف الأول في الدراما التلفزيونية المتابعة من الجمهور، ما يسهل تسويق الفيلم.
فبطل الفيلم، طفل يمثل للمرة الأولى في حياته، وتستند قصته الرئيسية لذلك الطفل الذي يقرر أن يبقى طفلاً بينما يكبر كل من حوله خلال سبعة عقود هي المدى الزمني للفيلم في سرد سينمائي عجائبي غير مألوف.
لكن الاهتمام اللافت في الفيلم في وسائل الإعلام العراقية، وتقييمات النقاد الإيجابية له، وتزامن عرضه مع فيلم آخر هو "ندم" الذي يعول عليه صانعوه في أن يكون بداية لعودة الجمهور العراقي لدور العرض، قد يغير من أرقام مبيعات التذاكر في الأيام المقبلة.
فلسفة فيلم "أناشيد آدم"
يخرج مشاهدو فيلم عدي رشيد الجديد بانطباعات وأفكار كثيرة وأسئلة أكثر، فالطفل آدم الذي يقرر إبطاء دقات قلبه كي لا يكبر ويشيخ ويموت مثل جده، يمثل سؤالاً وهاجساً إنسانياً عن مدى قدرتنا على مقاومة الموت والفقد.
كما يبعث قرار آدم الغريب الذي لا يركز الفيلم على تبرير عجائبيته، بسؤال آخر حول السبب في رغبتنا بأن نغادر الطفولة سريعاً ونصير رجالاً ونساءً إذا كنا سنخاف من المجهول القادم.
ويبدو الفيلم في جانب منه، رواية لأثر أحداث الزمن على الناس وليس للأحداث ذاتها في بلد مثل العراق عانى من حروب واضطرابات طويلة تركت ندوباً في أجساد وأرواح الناس.
إذ تدور أحداث الفيلم بين عامي 1946 و2014، وخلال سبعة عقود، يتغير فيه طاقم الممثلين ليلائموا شخصيات الفيلم التي تكبر، بينما يظل آدم ذاته، وقد جسد شخصيته الطفل العراقي عزام أحمد.
ويبدو ذلك الطفل باسمه آدم الذي يشير لبداية البشرية، وأناشيده الغريبة التي لا يفهمها أحد غيره، سؤالاً غامضاً آخر ومتعدد الإجابات لدى المشاهدين.
يُشار إلى أن الفيلم صور في غرب العراق، بإحدى قرى منطقة هيت المطلة على نهر الفرات الذي يصارع الصحراء القاسية المحيطة به.
وعدي رشيد من مواليد 1974، وهو مخرج وكاتب وناقد أفلام. درس في "كلية الفنون التطبيقية" في بغداد، وعمل كاتباً مستقلاً لمقالات نقدية، ثم درس السينما في "كلية الفنون الجميلة". بعد أفلامٍ قصيرة، وفيلمين روائيين طويلين، غادر إلى نيويورك، وأقام فيها.
من أفلامه القصيرة: "بياض الطين"، و"مقدمة أخرى"، و"نقص التعرض". ومن الوثائقي: "كلكامش: الملحمة.. المكان"، بالإضافة إلى روائيّ طويل بعنوان "كرنتينة".