على مدار التاريخ، تسيّدت البحرية الأمريكية عرش المياه بعد اليابسة، وقالت كلمتها في عرض البحار والمحيطات، فارضة نفوذها القوي في وجه أي تهديد، إلى الحين الذي قررت فيه الصين أن تعيد رسم المشهد من جديد، واضعة أمريكا أمام تحدٍ من نوع خاص، واليوم تغدو البحرية الصينية مع الوقت لغزاً يحير العسكرة الأمريكية، بقوة تصنيع وتخطيط استراتيجي هائلين، وقدرة على مجاراة التحولات العسكرية في العالم.
قوة نووية وقدرة تصنيع مرعبة
تملك الصين أكبر بحرية في العالم، هذه حقيقة عسكرية تؤكدها الأرقام، التي تكشف عن 400 سفينة قتالية صينية جاهزة لبدء حربها في الماء ويشمل هذا العدد جميع سفنها أو غواصاتها العاملة في الخدمة بما فيها 42 مدمرة، مقابل 295 سفينة حربية أمريكية، فيها 73 مدمرة أمريكية.
في العموم، فإن الصين تتفوق على أمريكا بقدرة إنتاجية على بناء السفن تصل إلى 230 ضعفاً، رقم مرعب يجعل من السنوات المقبلة نذير رعب لمستقبل الولايات المتحدة، لاسيما بعدما أفضت الدراسات إلى أن العدد "بجودة جيدة" يفوق في الحروب العدد الأقل مع "الجودة الممتازة"، وهي السياسة التي تتبعها الصين، والتي أكد عليها تقرير أخير صادر عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية ومقره واشنطن، حيث إن الأساطيل الأكثر تعداداً من حيث سفنها وغواصاتها، فازت في 25 من أصل 28 حرباً تاريخية شهدتها المياه، بحكم أن نفسها يبدو أكثر طولاً على مواصلة القتال، وتحمل الخسائر.
لكن جديد البحرية الصينية هو السلاح النووي، فكيف؟
يقول تقرير نشرته مجلة "ناشيونال إنتريست"، إن بحرية الجيش الصيني تشغل، حالياً، حاملتي طائرات تعملان بالطاقة، في حين تخضع ثالثة لتجارب بحرية، وقد كشفت صور الأقمار الصناعية عن أن عمليات تشغيلها على وشك البدء، لتصبح بذلك الصين ثاني أكبر مشغل لحاملات الطائرات في العالم بعد أمريكا، والأولى بعد البحرية الفرنسية التي تشغل حاملة طائرات تعمل بالطاقة النووية وهي "شارل ديغول".
حرب تحت الماء
ليس فوق الماء بحسب، الصين تخطط لما هو أبعد من هذا، وها هي في طريقها للقبض على الكابلات البحرية في أماكن تواجد قواتها البحرية، عبر سلاحها الجديد.
هو جهاز طورته وقادر على تفتيت الكابلات البحرية على أعماق تصل إلى 4 كيلومترات، أي ضعف العمق الذي تُستخدم فيه الكابلات البحرية الحالية، ما يجعل المخاوف في تزايد من قبضة الصين العسكرية فوق المياه وتحتها، لا سيما أن التحكم بهذه الكابلات سيجعل الاتصالات المدنية والعسكرية خلال الأزمات، في تحكمها التام، إذا ما نجحت في استخدام سلاحها المُطور.
ويقول تقرير "نيوزويك"، إن هذه الكابلات تعتمد عليها أكثر من 95% من الاتصالات العالمية، وللسيطرة عليها، صُمم الابتكار بعد دراسات طويلة أجراها مركز البحوث العلمية للسفن الصينية وشريكه مختبر المركبات المأهولة في أعماق البحر المملوك للدولة، ليخرج بهذا الابتكار، الذي يتضمن عجلة سحق مغطاة بحواف ماسية تدور بسرعة 1600 دورة في الدقيقة، مما يتيح له قطع الطبقة الفولاذية الواقية التي تحيط بالكابل بسرعة.
المشاكل والحلول للصناعة الأمريكية البطيئة
في العام 2026، كان من المفترض أن تحتفي أمريكا بولادة فرقاطة مرعبة تدعى "يو إس إس كونستليشن"، لكن تلكؤ عمليات التصميم، والتعديلات المتكررة التي طرأت عليها، أخَّرا موعد جهوزيتها لسنوات، وهي التي يُطلق عليها خبراء العسكرة، بأنها السفينة الحربية التي تُظهر سبب تخلف البحرية الأمريكية عن الصين.
في السنوات العشر الماضية تقريباً، باتت أمريكا تحتاج 11 عاماً لبناء حاملة طائرات حديثة، و9 سنوات لبناء الغواصات والمدمرات، نتيجة صعوبة استقطاب العمالة الماهرة والاحتفاظ بها، وفي هذا الرسم التوضيحي، يمكن أن تظهر الفوراق الشاسعة بين سرعة التصنيع والإنتاج الصيني ونظيره الأمريكي، حيث أُطلقت الصين حوالي 70% من سفنها الحربية بعد العام 2010، بينما لم لم تطلق أمريكا سوى أقل 25% من سفنها البحرية في ذات المدة، وفي العام 2020 كشف مكتب الاستخبارات البحرية الأمريكي أن السفن الصينية أصبحت ذات جودة مماثلة للأمريكية.
وتحاول أمريكا توسيع ما تبقى من الفجوة التي تسعى الصين لإلغائها تماماً من خلال ثورة التصنيع، عبر عدة حلول، منها التركيز على بناء سفن أصغر حجماً وأكثر عدداً، وتحويل السفن التجارية إلى عسكرية بشكل يمكن أن يدعم الأسطول القتالي بسرعة.
إذا كان ترامب يحارب بكين بعصا الاقتصاد، فإن التنين الصيني يبحر في عرض البحار لفرض نفوذه بقوة التصنيع، وبسرعة مرعبة، قد تكون نقطة الفصل في موازين القوى.