في فنزويلا، تصعيد غير مسبوق يُعيد للأذهان أجواء الحرب الباردة. الكاريبي يتحول اليوم إلى ساحة احتكاك بين القوى العظمى.
وفي واشنطن، أصوات "صقور ترامب" ترتفع، تضغط لإسقاط مادورو بالقوة، واصفينه بـ"ديكتاتور المخدرات".
لكن الرئيس الأمريكي نفسه، رغم الضغوط، يتردد، مدركًا أن أي مغامرة عسكرية قد تتحول إلى فشل سياسي وقانوني. فتراوحت رسائل واشنطن بين التهديد المباشر والتصرف بحذر.
في المقابل، يرفع نيكولاس مادورو مستوى الخطاب: "خطة دفاعية شاملة"، قد تتحول إلى كفاح مسلح إذا هوجمت بلاده.
استراتيجية الردع هذه تعتمد على الجيش، وعلى تحويل أي هجوم أمريكي إلى حرب استنزاف.
والمشهد لا يكتمل دون موسكو، التي زودت كاراكاس بأنظمة دفاع جوي متطورة من طراز "بانتسير S1" و"بوك M2E"، إضافة إلى صواريخ أرض-جو من طراز "أوريشنك" الباليستية قصيرة المدى، وقذائف دقيقة الموجهة، لتعزيز القدرات الدفاعية للجيش الفنزويلي.
هذه الخطوة تعيد للأذهان أزمة الصواريخ الكوبية، حين كان العالم على حافة مواجهة نووية، وتبعث برسالة واضحة إلى واشنطن: أي تدخل عسكري لن يكون سهلاً، وسيقابَل بتكلفة عالية.
فهل تستعمل روسيا ورقة تسليح فنزويلا للضغط على واشنطن فيما يخص موقفها في أوكرانيا؟
داخل الولايات المتحدة، تتصاعد الضغوط على صقور ترامب جالية فنزويلية كبيرة تصر على تغيير النظام، أمواج الهجرة المستمرة تضغط على البنية الاجتماعية، وانتشار تهريب المخدرات يهدد الأمن القومي. كل هذه العوامل تجعل أي خطوة أميركية محفوفة بالتعقيدات السياسية والقانونية.
لكن رغم كل ذلك، يبدو أن الغزو البري بعيد المنال. أي ضربة أمريكية محتملة ستكون محدودة، مستهدفة مواقع المخدرات أو مواقع استراتيجية للجيش الفنزويلي، مع الحفاظ على خطوط حمراء لتجنب حرب طويلة.
حرب قد تتحول إلى فيتنام جديدة على أبواب الولايات المتحدة.
فنزويلا اليوم ليست مجرد أزمة محلية، هي بؤرة جيوسياسية يتداخل فيها النفط مع المخدرات والصواريخ، وتشابك المصالح بين روسيا والولايات المتحدة.
كل ذلك يجعل هذه الدولة الصغيرة في قلب الكاريبي محور مواجهة كبرى بين القوى العظمى، ومشهدًا جديدًا لإعادة رسم نفوذ عالمي.