تشهد العلاقات الأوروبية الأمريكية تصدعات غير مسبوقة، على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، وفيما يبدو أن أفق الحلول انعدم في الوقت الحالي، تراهن أوروبا على وحدتها، حيث حضر قادتها اجتماعا في بريطانيا لتوحيد الصفوف بعد ساعات من لقاء الرئيس الأوكراني بترامب، قبل أن يعقدوا قمة طارئة في بروكسل لذات السبب.
في الثاني عشر من فبراير شباط لعام 2025، خرج وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث ليقول هذا:
"أستبعد عودة حدود أوكرانيا لما كانت عليه عام 2014"، وفي ذات المساء أعلن بوتين عن مكالمة مطولة أجراها مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب، دون أي تنسيق سابق لها.
وفيما يبدو بأن القرار اتُّخذ، سبق هذا كلام للرئيس الروسي بوتين يصف فيه الأوروبيين بالكلاب التي ستحرك ذيولها طاعة لترامب قريبا.
أمريكا وروسيا، ها نحن على اتفاق وبصوت عال، فمن يجرأ على مجابهة قوى العالم العظمى حينما تتفق؟
اليمين المتطرف يتربص.. وأوروبا تواصل دعم أوكرانيا منفردة
ساعات بعد أن وبخ ترامب زيلنسكي في البيت الأبيض، كانت كافية لكي يجتمع أكثر من 15 قائدا أوروبيا في لندن برعاية رئيس الوزراء كير ستارمر، في قمة حملت عنوانا عريضا مفاده أن أوروبا تستطيع الوقوف بمفردها وبدون دعم أمريكي.
أوروبا التي تحاول جمع شتاتها، سيما بعد إيقاف الدعم الأمريكي لأوكرانيا مبدئيا، تدرك جيدا أن الفراغ الأمريكي من الصعب سده على كل الصعد، خاصة على مستوى المساعدات المقدمة لأوكرانيا حاليا، والتي تمثل مساعدات أمريكا منها أكثر من ضعف ما قدمه الاتحاد الأوروبي، بينما يرى اليمين المتطرف بأن ما جرى مع زيلنسكي ليس مفاجئا، ويخلق بتصريحاته التي أتت على لسان زعيمته في فرنسا مارين لوبان تساؤلات حول وحدة الصف الأوروبي، بعدما أشادت في حديث سابق لها بأجندة الرئيس الأمريكي واعتبرتها نذير انتصارات مستقبلية لمعسكر اليمين.
المقترحات الأوروبية بخصوص تأمين الدعم الأوكراني لم تتوقف منذ حادثة زيلنسكي، بل وصلت إلى حد اقتراح رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إنشاء صندوق دفاعي جديد يمكن أن يجمع نحو 800 مليار يورو، بهدف تعزيز الاستثمارات العسكرية داخل الاتحاد الأوروبي، وبواسطة قروض ستقدم لحكومات الاتحاد الأوروبي فيما من المتوقع أن تستخدم أوروبا 90 مليار يورو من صندوق التعافي الخاص كوفيد-19 لدعم هذه الخطوة.
أموال روسيا المجمدة.. الضرب تحت الحزام
واحدة من أسلحة أوروبا إذا ما استمر الخصام مع أمريكا التي فضلت عليها روسيا، هي مصادرة الأصول الروسية المجمدة في الاتحاد الأوروبي.
حاليا، تستخدم أوروبا الناتج عن هذه الأصول أو الفوائد التي تخلفها، في سداد قروض دول مجموعة السبع لأوكرانيا بقيمة 50 مليار دولار، ولكن الأصول الأساسية لا يتم المساس بها.
ويقول تقرير صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، إن مسؤولين فرنسيين وألمانيين ناقشوا مقترحا يقضي بمصادرة الأصول الروسية إذا انتهكت موسكو اتفاق وقف إطلاق النار المستقبلي في أوكرانيا، حيث ستشكل 200 مليار يورو من الأصول المجمدة ضمانا أوروبيا وأوكرانيا ضد روسيا، وورقة ضغط في أي تفاوضات مستقبلية، فهل حقا ستجرؤ أوروبا على سرقة روسيا علنا؟ وماذا عن القانون الدولي؟
تشكل خطوة كهذه سابقة بموجب القانون الدولي، وهي تخرق بنوده الأساسية، كما أنها ووفق البنك المركزي الأوروبي ستشكل خطرا على وضع "اليورو" كخيار آمن للاحتياطيات الأجنبية، بحكم أن معظم الأصول العالمية مقومة باليورو.
وأخيرا فإن روسيا بإمكانها الرد وبذات العصا، هذا ولأن استثمارات الاتحاد الأوروبي في الاقتصاد الروسي تقدر بأكثر من 288 مليار دولار، قد تصادرها روسيا على الفور، حيث تعتبر بريطانيا أكبر مستثمر في الاقتصاد الروسي وفق أرقام عام 2024، ووصلت قيمة الأصول البريطانية في روسيا إلى 18.9 مليار دولار، تليها أمريكا واليابان ثم كندا على التوالي.
جذور الأزمة المالية بين أمريكا وأوروبا
تتمتع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعلاقة يعززها التعاون التجاري والدفاع العسكري والقيم المشتركة منذ عقود طويلة، لكن الرئيس الأمريكي ترامب الذي يغلب على تعامله أسلوب رجال الأعمال، يرى أن ما يدفعه أكثر بكثير مما يكسبه، وهذا يتعارض مع حسه التجاري، وفيما يلي أبرز النقاط المالية التي استفزت ترامب ووسعت التصدع بين أمريكا وأوروبا:
1 . المساعدت لأوكرانيا :
أنفقت أمريكا 300 مليار دولار
مقابل 140 لأوروبا مجتمعة
2 . الإنفاق الدفاعي في الناتو :
تنفق أمريكا سنويا: 968 مليار دولار
تنفق أوروبا سنويا: 380 مليار دولار فقط
3 . العجر التجاري الأمريكي مع أوروبا والبالغ 235 مليار دولار لعام 2024
خلفت هذه التصدعات قرارات أمريكية كان أبرزها:
1 . التوقف عن الدعم الأوكراني الذي سيكلف أوروبا زيادة بإنفاقها الدفاعي تُقدر بـ 3 أضعاف.
2 . فرض رسوم جمركية على صادرات كندا بقيمة 25% مع تهديد بفرضها على دول أوروبية أخرى.
3 . الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان ووكالة الأونروا، حيث تعد أمريكا أكبر مانح لها بقيمة سنوية تُقدر بـ 400 مليون دولار.
وفيما يبدو أن العلاقات الأوروبية الأمريكية وصلت إلى طرق مسدودة على أكثر من صعيد، يبقى السؤال، كيف ستتعامل أوروبا مع التحديات الجديدة؛ الاقتصادية منها أولا، وعلى مستوى المظلة الأمنية الأمريكية ثانيا؟