في كل مواجهة كبرى في الجنوب السوري مع المكوّن الدرزي، كانت إسرائيل أول من يرفع الصوت، تُهدد وتتوعد، تحت ذريعة حماية الدروز وخطوطها الحمراء.. لكن في السويداء اليوم، الغريب أن إسرائيل غابت.
لا تصريح، ولا تلميح، ولا حتى تغريدة رسمية، كما كان الأمر في جرمانا مثلاً.. صمتٌ مريبٌ من تل أبيب، رغم أن الجبل يشتعل، فهل تغيّر الموقف الإسرائيلي؟ أم أن ما يجري جزء من تفاهمات جديدة تُبنى بين سوريا الجديدة وإسرائيل.
بعض التحليلات تربط الغياب الإسرائيلي بمفاوضات أمنية غير معلنة بين دمشق وتل أبيب، صفقات تُعيد رسم خريطة النفوذ في الجنوب، وتضع ملف السويداء على الطاولة مجدداً، خاصة بعد اللقاء المباشر الذي عُقد في العاصمة الأذربيجانية باكو بين مسؤول سوري وآخر إسرائيلي، على هامش زيارة أجراها الرئيس السوري أحمد الشرع لأذربيجان، قبل أيام من تفجّر الأوضاع في السويداء.
محللون يرون أن إسرائيل باتت تعتبر علاقتها الاستراتيجية مع دمشق أكثر أهمية من مجرد الحديث عن حماية الدروز، فخلال الفترة الماضية وفق المحللين، استخدمت تل أبيب ملف حماية الدروز كورقة ضغط لفرض واقع سياسي وأمني يخدم مصالحها في الجنوب السوري، أما اليوم، ومع تغير المعادلات الإقليمية، والتقارب غير المعلن مع النظام السوري الجديد فتبدو إسرائيل أكثر حرصاً على الحفاظ على توازن مع دمشق، ما يفسر صمتها وتراجعها الظاهر تجاه ما يحدث في السويداء.
ورغم إعلان الجيش الإسرائيلي مهاجمته دبابات سورية في قرية سميع بمحافظة السويداء، إلا أن هذا التحرك لم يُفهم كموقف داعم أو تدخل مباشر لحماية الدروز، بل أوضح مصدر أمني إسرائيلي للقناة 12 العبرية أن العملية جاءت بعد تجاوز تلك الدبابات لخطّ أحمر حددته إسرائيل داخل الأراضي السورية، ما يعني أن الضربة كانت دفاعاً عن قواعد اشتباك.
وسط هذا الصمت، يرى البعض أن إسرائيل تراقب عن بُعد، تنتظر اتضاح المشهد، دون أن تحرق أوراقها مبكراً، فالمعركة لم تُحسم بعد، واللاعبون لم يكشفوا كل أوراقهم، وفي كلتا الحالتين يُعيد هذا الغياب الإسرائيلي طرح تساؤلات عميقة لدى من اعتادوا اعتبار تل أبيب عنصراً فاعلاً في ملف الطائفة الدرزية، فهل صمت إسرائيل تكتيكي أم أن هناك صفقة تُطبخ بصمت مع دمشق؟
