عندما تُبحر الغواصات النووية الأمريكية قرب روسيا.. وتستيقظ "آلة يوم القيامة" في موسكو.. فاعلم أن العالم يقترب من حافة الخطر.
وتيرة التصعيد صادمة و في لحظات تحوّل الخلاف السياسي إلى اختبار لقوة الردع النووي بين أكبر قوتين في العالم.. فهل هو مجرد استعراض للقوة؟ أم أن واشنطن وموسكو تقتربان فعلاً من حافة الهاوية؟
دونالد ترامب الرئيس الذي بدأ ولايته الجديدة بلغة ودية تجاه روسيا انقلبت نبرته مؤخراً معبّراً عن "خيبة أمل كبيرة" من استمرار القصف الروسي لأوكرانيا، ومهدداً بعقوبات اقتصادية صارمة إن لم تتوقف العمليات خلال 50 يوماً، ثم خفّض المهلة لاحقاً إلى 10 أيام فقط.
الرد الروسي لم يأتِ من الرئيس فلاديمير بوتين بل من الرئيس السابق ديمتري مدفيديف، والذي أصبح نائب رئيس مجلس الأمن الروسي الذي وصف إنذارات ترامب بأنها تهديد مباشر بالحرب مؤكداً أن "روسيا ليست إسرائيل أو حتى إيران"، في إشارة إلى النزاع الأخير بين البلدين الذي تدخلت فيه واشنطن لصالح تل أبيب.
ترامب ردّ سريعاً بتحذير علني لميدفيديف "إنك تدخل منطقة خطيرة جدًّا"، وهو ما قابله المسؤول الروسي بسخرية ملوّحاً بترسانة روسيا النووية كملاذ أخير.
خلال مقابلة مع شبكة Newsmax وصف ترمب تصريحات ميدفيديف بأنها "وقحة"، وأعلن على عجل نشر غواصتين نوويتين قرب روسيا، مؤكداً أن تهديدات ميدفيديف "لن تمر مرور الكرام". أزمة التصريحات هذه فجرت الغضب الذي ينذر بمواجهة كبرى قد تندلع.
تتباين التحليلات حول طبيعة هذا التصعيد.. صحيفة "وول ستريت جورنال" ترى أن تحريك ترامب للغواصات هو "إشارة ردع وربما يحتاج الكرملين إلى هذا التحذير".. ومع ذلك تشير الصحيفة إلى أن "نظرية الجنون" التي يتبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "يجب أن يكون لها حدود"، وتأمل الصحيفة أن "يُبقي على علاقاته مفتوحة مع موسكو حتى لا يكون هناك تصعيد قائم على سوء تقدير للنوايا"، مستبعدة أن يُقدِم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على استخدام الأسلحة النووية "نظراً لضعف اقتصاده الحربي وتوسعه المفرط"، وفقاً للصحيفة.
في المقابل ترى شبكة "سي إن إن" أن ترامب "تهوّر" بالرد على التصريح الروسي غير الرسمي عندما أمر بإعادة تمركز غواصتين نوويتين أمريكيتين؛ ما سمح لنفسه بالظهور في حالة من "الارتباك"، وأوضح ترامب أن أمره بنشر الغواصتين "في المناطق المناسبة" جاء في حال كانت "تصريحات مدفيديف الحمقاء والمثيرة للجدل أكثر من ذلك".
لم يحدد ترامب نوع الغواصات التي تم نقلها أو إلى أين، وعادة ما يكشف البنتاغون القليل عن تحركات غواصاته.. لكن البحرية الأمريكية تمتلك ثلاثة أنواع من الغواصات جميعها تعمل بالطاقة النووية ولكن واحدة منها فقط تحمل أسلحة نووية. تنقسم هذه الغواصات إلى ثلاث فئات رئيسية، ولكل منها مهام خاصة وقدرات تدميرية لا تُضاهى، وفقًا لصحيفة الحقائق التابعة للبحرية الأمريكية..
تُعتبر هذه الغواصات العمود الفقري للردع النووي الأمريكي.. تمتلك البحرية 14 غواصة من فئة "أوهايو" وكل واحدة منها قادرة على إطلاق 20 صاروخ "ترايدنت" بعيد المدى، ومزودة برؤوس نووية متعددة.. يصل مدى هذه الصواريخ إلى 7400 كيلومتر؛ مما يعني أن الغواصة يمكنها إصابة أهداف في قلب روسيا دون أن تقترب من حدودها.. وسرية تحركات هذه الغواصات تجعلها أكثر أسلحة الردع غموضاً ورهبة.
كانت هذه الغواصات في الأصل ضمن فئة الردع النووي قبل أن يُعاد تصميم أربع منها لحمل صواريخ "توماهوك" الهجومية بدلاً من "ترايدنت".. عددها 18 غواصة و تحمل كل واحدة ما يصل إلى 154 صاروخ توماهوك، وهي قادرة أيضاً على إنزال قوات خاصة سرًّا؛ مما يجعلها آلة حرب شاملة تُستخدم عادة في رسائل الردع السياسية عندما تظهر فجأة في نقاط التوتر العالمية.
هي الأكثر عدداً في الأسطول الأمريكي وتُعرف بسرعتها وخفة حركتها.. مصممة لتعقب الغواصات والسفن المعادية وتضرب أهدافاً برية أيضاً.. عددها 55 غواصة تتنوع بين فئات "فرجينيا" الحديثة، و"لوس أنجلوس" الكلاسيكية، و"سي وولف" المتقدمة التي تُنفّذ مهمات خاصة جدًّا.. بعض هذه الغواصات مزودة بتقنيات تجسسية فائقة السرية كالغواصة "جيمي كارتر" التي وُصفت بأنها واحدة من أكثر السفن البحرية الأمريكية غموضاً.
في تصريحه الناري، حذر ديمتري مدفيديف ترامب بأن يتذكر "مدى خطورة اليد الميتة الأسطورية". استخدم مدفيديف لهجة أقل دبلوماسية وأكثر هجومية، معتبراً أن ترامب "يلعب بلعبة الإنذارات" مع روسيا، وأن كل إنذار يُعد خطوة نحو حرب مع الولايات المتحدة نفسها.
وبالعودة لليد الميتة الأسطورية .. المسمى الروسي لهذا النظام النووي هو "بريميتر" أو كما يسميه الغرب آلة يوم القيامة، طوّره الاتحاد السوفيتي في ذروة الحرب الباردة .. هذا النظام لم يُصمم للرد فقط بل للانتقام حتى بعد فناء القيادة الروسية بالكامل.. الفكرة كانت مجنونة بقدر ما هي ذكية، فإذا دُمرت موسكو بصواريخ نووية يبدأ النظام تلقائيًّا بإطلاق مئات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات نحو العدو.. ولا يعتمد على البشر بل على شبكة من أجهزة الاستشعار التي تراقب الإشعاع والزلازل والاتصالات العسكرية.. في حال عدم تلقيه أوامر من القيادة العليا يتولى "بريميتر" زمام الأمور.
تم تجريبه بنجاح عام 1984، ودخل الخدمة رسميًّا عام 1989.. أما الصواريخ التي يُطلقها تشمل "الشيطان"، و"يارس"، و"سارمات"، وكل منها قادر على حمل رؤوس نووية تضرب أهدافاً في قارات عدة.. وفي عام 2024 وقّع الرئيس بوتين وثيقة تعديل العقيدة النووية والتي تسمح باستخدام السلاح النووي في حال التهديد؛ مما يعيد "اليد الميتة" إلى الواجهة.
يرى مراقبون وخبراء أن ما يجري حتى الآن هو "تصعيد محسوب" يُستخدم كورقة ضغط أكثر من كونه مقدمة لحرب وشيكة.. لكن المشكلة أن هذا النوع من التصعيد يحمل دائماً هامش خطأ خطير، وقد يتحول من أداة سياسية إلى كارثة حقيقية إن خرج عن السيطرة.