على وقع وجع لا يشيخ ووعود بقيت كلامًا من خلف القضبان، تعود "خطة ترامب" كمدخل براق لأزمة الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل، حيث الآباء الذين شاب شعرهم خلف القضبان، والأطفال الذين صاروا رجالًا لا يعرفون طفولتهم، ونحن نتحدث عن أكثر من مليون معتقل فلسطيني منذ عام 1967، وفق الأمم المتحدة.
وبعد عامين من اقتراب نهاية حرب غزة، نسأل: كم عدد الأسرى؟ أين يُسجنون؟ كيف يعيشون؟ وماذا يأكلون؟ وكيف سيواجهون الحياة حين تُفتح الأبواب من جديد؟
يخوض السجين الفلسطيني في إسرائيل حربًا يومية مع التفاصيل الصغيرة، تبدأ بسنوات طويلة من الحكم، وصولًا لكل أنواع التضييق التي تطال العقاب بالطعام والتفنن بأساليب التعذيب النفسية، هذا بعد أن يتم فرز كل سجين إلى السجن المخصص له، ويُمكن تقسيم أنواع السجون على الشكل التالي:
1 . سجون IPS المدنية للمدانين الأمنيين، وهي اختصار لـ (Israel Prison Service)
2 . سجون نسائية تتركز في مجمعات مثل Neve Tirza، وأحيانا تضم أقسامًا منفصلة للقاصرين.
أنشأت إسرائيل 3 أنواع من معسكرات الاحتجاز وهي مراكز التوقيف، ومراكز التحقيق والسجون المركزية، فما أبرزها؟
عددها يقارب العشرين، وأحجامها مختلفة، بينما تتميز معظمها بحراسة مشددة، وبوابات الكترونية خاصة، أبرزها سجن عسقلان المركزي، الذي يضم قسمًا لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك"، ومعسكر اعتقال النقب الذي تأسس عام 1988 في صحراء النقب، أُغلق عام 1995، وأُعيد افتتاحه على إثر اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، قبل أن يتحول مع نهاية الانتفاضة عام 2005 إلى سجن مركزي.
وأخيرا سجن جلبوع الذي افتتح عام 2004 في منطقة بيسان شمالي إسرائيل، وتحتجز فيه إسرائيل مَن تصنفهم ضمن "الأخطر أمنيًّا"، ومعظمهم متهمون بمحاولة تنفيذ عمليات فدائية داخل إسرائيل، فيما وصفت منظمة "بتسليم" الحقوقية الإسرائيلية واقع السجون الإسرائيلية بعد عام من حرب غزة بعبارة " مرحبًا بكم في الجحيم".
وفق أرقام هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير الفلسطيني وهيئات فلسطينية أخرى، فإن أرقام الأسرى الفلسطينيين في إسرائيل فاقت الـ10 آلاف معتقل، بينهم ما يزيد على 50 امرأة وما يقارب الـ500 طفل.
في أقبية السجون الإسرائيلية، لا يُنظر إلى الطعام كمكون أساسي للحياة، إنما كوسيلة ضغط قمعية، يُضطر السجناء على إثرها لتقسيم وجبتهم غير الكافية أساسًا إلى وجبتين أو ثلاث، وفي حالات أخرى، يلجأ السجناء لمقايضة وجباتهم فيما بينهم بناء على قدرة تحمل كل شخص.
بعد مرور عام على الحرب في غزة، نشرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" تقريرًا تحدَّث عن فشل إسرائيل بتأمين الطعام الكافي للسجناء بإسرائيل، وذلك بطلب مباشر من وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، الذي دفع إلى فرض ظروف قاسية وعقابية على السجناء، بعدما زعمت الحكومة أن القائمة التي وافقت عليها مصلحة السجون للسجناء الأمنيين تضمنت 2300 سعرة حرارية لكل سجين في اليوم.
لكن حالات الجوع وفقدان الوزن غير الطبيعي، تؤكد أن الطعام قد لا يحقق نصف هذا الرقم من السعرات الحرارية؛ ما جعل البعض يفقدون عشرات الكيلوغرامات من أوزانهم بفترة قياسية، كما جاءت شهادة الأسير المُفرج عنه حديثًا سامي جرادات، حيث فقد 30 كيلوغرامًا من وزنه منذ أحداث السابع من أكتوبر، علما أنه مُعتقل منذ عام 2003.
وعلى المقلب الآخر، فإن التجويع مسموح والإضراب ممنوع، ففي حين لغة التجويع تعتبر أحد سبل التعذيب في السجون، يجد السجناء أحيانًا ضالتهم في التعبير عن غضبهم بالإضراب عن الطعام، الأمر الذي تواجهه السلطات الإسرائيلية بـ"الإطعام القسري"، في عمل يتنافى مع القانون الدولي لحقوق السجين، وذلك وفقًا لتقرير مفصل نشرته منظمة الصحة وحقوق الإنسان "HHR".
مع انتهاء سنوات الاعتقال، لا تبدو الحرية سهلة المنال سوى بالكلمة، أما بالشعور، فيعيش المعتقل رحلة شاقة لاستعادة الذات، تتمثل بشهادات جماعية وثقتها وكالة Palestine Chronicle غير الربحية التي تسلط الضوء على الواقع الإسناني في غزة، بأن أكثر من 60% من الأسرى المحررين يعانون آثار ما بعد الصدمة.
"نخرج من الأسر بأجساد حرة وعقول أسيرة"، هذا ما قاله الأسير المحرر وليد دقة، الذي أمضى 38 عامًا خلف القضبان قبل وفاته داخل سجون إسرائيل عام 2024، أما كريم يونس، أقدم الأسرى المحررين في يناير 2023 بعد 40 عامًا من الاعتقال، فقد قال مع خروجه : "خرجت من زمن بلا إنترنت، وعدت إلى عالم يسكنه الهاتف الذكي".
من الدخول فجأة بأشرس الكلاب البوليسية على المساجين دون سابق إنذار، وصولًا للاعتداءات الجنسية، تنوعت سبل التعذيب التي يحملها المسجون في ذاكرته طوال حياته، لكن النتيجة واحدة، ذكريات سوداء.
ينجح البعض _رغم قلتهم_ في تجاوزها، لكنهم يصبحون في نهاية الأمر أيقونات لأجيال قادمة، كمروان البرغوثي الذي دخل عامه الثالث والعشرين في السجن، وتحول إلى رمز سياسي تتغذى عليه أجيال جديدة من الفلسطينيين.
وخالدة جرار السياسية والناشطة الفلسطينية التي اعتقلت وأفرج عنها أكثر من مرة، لكنها بعد كل مرة تخرج لتواصل حياتها بخطاب إنساني متوازن، لتبقى حكاية الأسير لا تنتهي بالحرية، بل تبدأ منها.