تهتز أوروبا اليوم تحت وقع كلماتٍ جاءت من بعيد. كلمات أطلقها دونالد ترامب كالسهم، تقول إن القارة التي صاغت جزءا كبيرا من تاريخ العالم تتجه نحو زوالٍ محتمل. ترتفع الحواجب في بروكسل وبرلين، ويعلو الغضب كدخان فوق العواصم.
مجددا يضع دونالد ترامب أوروبا في قلب العاصفة، عبر وثيقة رسمية تحمل توقيعه، وتصف القارة العجوز بأنها تقف على حافة زوال حضاري خلال عشرين عاماً فقط.
زوال.. كلمة كفيلة بإشعال النيران في عواصم أوروبا.
استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة لا تبدو مجرد تحليل سياسي، إنها إعلان صريح بأن واشنطن ترى أوروبا تتراجع اقتصادياً، وتتصدّع سياسياً، وتفقد هويتها الثقافية. والأخطر، العدو ليس خارج الحدود، بل الاتحاد الأوروبي نفسه أصبح جزءاً من المشكلة، لا من الحل.
وتذهب الوثيقة أبعد من ذلك، فهي تتهم الاتحاد بفرض رقابة على المعارضة، وبالعجز عن ضبط الهجرة التي “تغير وجه القارة”، وتدعو واشنطن إلى زرع مقاومة داخل أوروبا نفسها ضد المسار الذي تتخذه حكوماتها.
هنا بالتحديد، انفجرت موجة الغضب الأوروبي.
ألمانيا كانت أول من رد. قالت برلين بوضوح: لسنا بحاجة لنصائح من الخارج. لكن الحقيقة أن الأوروبيين لم يغضبوا فقط من اللهجة، بل من الفكرة نفسها:
أن أقرب حلفائهم، وأكبر قوة في الناتو، يتهمهم بالفشل وبأن مستقبلهم مظلم، وربما غير قابل للتعرّف عليه.
من جانبه، يقوم ترامب بإعادة تشكيل أولويات أمريكا: اهتمام أقل بالشرق الأوسط، تركيز أكبر على أمريكا اللاتينية، ورغبة واضحة في منع توسع الناتو، وحتى دفع أوكرانيا نحو تسوية تمنح موسكو المزيد من الأراضي.
هذا التحول يبدو كإعادة ترتيب للخريطة الجيوسياسية كلها. أوروبا تشعر بأنها تُدفع إلى الهامش، وترامب يرى أن زمن “التحالفات التقليدية” انتهى.
فهل أوروبا فعلاً تتجه نحو الزوال الحضاري كما يقول ترامب؟
أم أن هذه مجرد ورقة ضغط جديدة في لعبة القوة الأمريكية؟