لم تكن الجملة التي التقطتها الكاميرات على لسان النجم البرازيلي فينيسيوس جونيور وهو يغادر ملعب مواجهة ريال مدريد ضد ديبورتيفو ألافيس متجهاً لمدربه تشابي ألونسو، مجرد تفريغ لشحنة غضب عابرة.
حين قال: "إنه لم يحتسبها لأنني أنا.. الكرة كانت واضحة"، كان يضع يده على جرح مفتوح وعلاقة متوترة وصلت إلى طريق مسدود بينه وبين قضاة الملاعب في إسبانيا.
مشهد ركلة الجزاء غير المحتسبة أمام ألافيس لم يكن سوى القشة التي قصمت ظهر البعير، لكن الشعور بالاضطهاد لدى الجناح البرازيلي لم يولد في تلك اللحظة.
إنه نتاج تراكمات معقدة جعلت فينيسيوس يرى صافرة الحكم خصماً إضافياً في الملعب وليس قاضياً عادلاً.
يعاني فينيسيوس مما يعرف في علم النفس الرياضي بتأثير السمعة المسبقة. على مدار المواسم الماضية، اكتسب اللاعب صورة الشاكي الدائم الذي يعترض على كل رمية تماس وكل تدخل. هذه الصورة الذهنية تسللت -بوعي أو دون وعي- إلى عقول الحكام.
بات الحكم يدخل المباراة ولديه حكم مسبق بأن فينيسيوس سيبالغ في السقوط أو الاحتجاج، ما يجعله يتغاضى عن أخطاء حقيقية وواضحة ترتكب ضده، معتبراً إياها جزءاً من الدراما المعتادة للاعب، وهو ما يفسر شعوره بأن القوانين تتغير عندما يتعلق الأمر به.
لا يمكن فصل شعور فينيسيوس بالاستهداف التحكيمي عن الأجواء العدائية التي يعيشها في ملاعب الخصوم. اللاعب الذي يواجه هتافات عنصرية وصافرات استهجان لا تتوقف طوال 90 دقيقة، ينتظر من الحكم أن يكون هو الحامي الأول له.
عندما يتأخر الحكم في حمايته أو يتجاهل تلك الهتافات، يترسخ لدى فينيسيوس شعور بأن المنظومة بأكملها -بما فيها التحكيم- متواطئة ضده، أو على الأقل لا تكترث لسلامته النفسية والجسدية، مما يحول أي قرار عكسي إلى دليل إدانة في نظره.
أسلوب لعب فينيسيوس القائم على المراوغات المهينة للخصوم، الرقص، والابتسامات الساخرة أحياناً، يخلق حالة من العداء لدى المدافعين، وللمفارقة، لدى بعض الحكام أيضاً.
هناك مدرسة تحكيمية قديمة تميل لعدم حماية اللاعب الذي يُنظر إليه على أنه يستفز الخصم بمهارته. يشعر فينيسيوس أن الحكام يتركون المدافعين يضربونه كنوع من التربية أو العقاب على أسلوبه الاستعراضي، وكأن لسان حالهم يقول: "أنت من جلبت هذا لنفسك".
كل إيماءة، صرخة، أو نظرة من فينيسيوس يتم تكبيرها وتحليلها لأسابيع في البرامج الرياضية. هذا الضغط الإعلامي الرهيب يضع الحكام تحت المجهر.
الحكم بشر في النهاية، وقد يخشى أن يُتهم بمحاباة ريال مدريد أو الخضوع لسطوة نجمه البرازيلي إذا احتسب له كل خطأ. النتيجة العكسية هي أن الحكام يحاولون إثبات شخصيتهم القوية عبر القسوة المبالغ فيها تجاهه، وهو ما يترجمه اللاعب فوراً على أنه استهداف شخصي لشهرته وتأثيره.
أخيراً، العقل البشري يميل لتذكر المواقف التي تؤكد مخاوفه. لقطة ركلة الجزاء الأخيرة تضاف إلى أرشيف طويل في ذاكرة فينيسيوس من ضربات جزاء واضحة تم تجاهلها، وتدخلات عنيفة مرت دون بطاقات حمراء.
كل قرار خاطئ جديد لا يعتبره خطأً بشرياً وارد الحدوث، بل حلقة جديدة في المسلسل. هذا الأرشيف المتراكم يجعل اللاعب يدخل المباراة مشحوناً ومقتنعاً مسبقاً بأن الحكم ضده، مما يجعله يفقد أعصابه مع أول صافرة خاطئة، ليدور في حلقة مفرغة لا يبدو أنها ستنتهي قريباً.
الخلاصة
بينما قد يكون فينيسيوس مبالغاً في ردود فعله أحياناً، إلا أن الشعور بالاستهداف ليس وهماً كاملاً. إنه مزيج من شخصيته الانفعالية، وبيئة خارجية عدائية، وأداء تحكيمي يفتقد أحياناً للحسم في حماية المواهب، مما يجعل جملة "لم يُصفر لأنني أنا" صرخة تحمل من الحقيقة بقدر ما تحمل من الألم.