logo
العالم

الاستعدادات تتصاعد.. هل يطلق ترامب عمليات "غضب عاجل 2" ضد فنزويلا؟

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو

تعيش منطقة الكاريبي على وقع تصعيدٍ خطير في الخطاب الأمريكي تجاه فنزويلا، بعدما لمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى احتمال تنفيذ عمليات برية ضد كارتلات المخدرات التي يقول إنها تنشط تحت حماية نظام نيكولاس مادورو. 

وكشفت صحيفة "يوراسيان تايمز" أن هذا التلميح الذي جاء متزامنا مع ذكرى غزو غرينادا عام 1983، أثار تساؤلات واسعة حول ما إذا كانت واشنطن تستعد لإطلاق نسخة جديدة من "عملية الغضب العاجل".

وذكرت الصحيفة أن التصريحات الأمريكية الأخيرة جاءت في أعقاب ضربة جوية ليلية استهدفت قاربا يزعم أنه تابع لكارتل فنزويلي، وأدت إلى مقتل ستة أشخاص. 

وأكد وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث أن الضربة نُفذت في المياه الدولية ضمن حملة أوسع لمكافحة شبكات التهريب، مضيفًا بلهجة حادة: "سنتعامل مع مهربي المخدرات كما نتعامل مع القاعدة. سنطاردهم ونقتلهم ليلا أو نهارا."

وبحسب بيانات غير رسمية، نفذت الولايات المتحدة أكثر من عشر ضربات ضد مهربين مزعومين في البحر الكاريبي وشرق المحيط الهادئ منذ أغسطس الماضي، أسفرت عن مقتل أكثر من 40 شخصا. 

بالتوازي، أرسلت واشنطن تعزيزات بحرية وجوية واسعة إلى المنطقة شملت مدمرات وطرادات وغواصات ومقاتلات F-35 وطائرات مسيّرة من طراز MQ-9 Reaper، إضافة إلى تحليق قاذفات B-52 وB-1B قرب السواحل الفنزويلية خلال أكتوبر الجاري.

أخبار ذات علاقة

 حاملة الطائرات الأمريكية "جيرالد فورد"

رسائل "جيرالد فورد" الأمريكية في الكاريبي تتعدى فنزويلا إلى الصين وروسيا

وصعّد ترامب الخطاب أكثر عندما قال إنه لن ينتظر إعلان حرب رسمي من الكونغرس قبل تنفيذ ضربات ضد من وصفهم بـ"الإرهابيين المخدراتيين"، مشيرًا إلى أن بلاده "ستقتل من يُدخلون السموم إلى أمريكا". 

وأثار هذا الموقف الذي يهمّش دور الكونغرس في قرارات الحرب جدلا داخليًا حول حدود السلطة التنفيذية، بينما رأت كاراكاس فيه تمهيدا لغزو عسكري مباشر.

حالة طوارئ فنزويلية

في المقابل، وصف الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الهجمات الأمريكية بأنها "إعدامات خارج نطاق القانون"، وأعلن حالة الطوارئ الوطنية، معتبرًا أن ما يجري هو انتهاك صارخ لسيادة بلاده يهدف إلى تغيير النظام تحت غطاء مكافحة المخدرات.

استجابةً لذلك، دعا مادورو المواطنين إلى الانضمام للميليشيات المدنية، وشهدت البلاد خلال الأيام الأخيرة تدريبات مكثفة في الثكنات والأحياء على استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.

وأكد مادورو في خطاب متلفز: "سنحمي جبال فنزويلا وسواحلها ومدارسها ومستشفياتها من أي غزو أجنبي."

ورغم الأزمة الاقتصادية الخانقة، تُظهر الحكومة الفنزويلية تصميما على تحويل الأزمة إلى معركة وجودية، حيث يحشد الجيش قواته على طول السواحل الشمالية، بينما تحاول الدبلوماسية الفنزويلية كسب دعم من حلفائها في موسكو وبكين وهافانا.

أخبار ذات علاقة

منصة القتال العملاقة الأمريكية تصل الكاريبي

منصة القتال العملاقة الأمريكية تصل الكاريبي.. فما حدود قوتها؟ (فيديو إرم)

ويعتبر محللون أن هذا التصعيد المزدوج يعيد إلى الواجهة نمط "الحروب الوقائية" الأمريكية التي تبرر التدخلات العسكرية بذريعة حماية الأمن القومي ومكافحة الإرهاب أو المخدرات. 

ويخشى مراقبون من أن تتحول الضربات المحدودة إلى صدام واسع النطاق يعيد رسم خريطة النفوذ في الكاريبي وأمريكا اللاتينية.

ذاكرة الغزو الأمريكي تعود

تستحضر الأزمة الحالية ذكرى غزو غرينادا عام 1983، المعروف باسم "عملية الغضب العاجل"، حين أرسلت الولايات المتحدة قواتها إلى الجزيرة الصغيرة للإطاحة بالحكومة الماركسية بقيادة موريس بيشوب. 

حينها، استخدم الرئيس رونالد ريغان مبررا مشابها: حماية مئات الطلاب الأمريكيين واستعادة "النظام الديمقراطي"، في وقت كانت الحرب الباردة تشتعل بين واشنطن وموسكو.

في تلك العملية، شارك آلاف الجنود الأمريكيين إلى جانب قوات من منطقة الكاريبي، وتمت الإطاحة بالنظام الموالي لكوبا خلال ثلاثة أيام فقط. 

ورغم إدانة الأمم المتحدة الغزو باعتباره انتهاكًا للقانون الدولي، احتفلت غرينادا بالتدخل بوصفه "تحريرًا"، وما زالت تُحيي يوم 25 أكتوبر سنويًا كـ"يوم الشكر الوطني".

يرى بعض المراقبين أن ترامب يسعى لاستلهام الرمزية الريغانية، أي استخدام الحزم العسكري لإعادة تثبيت الهيمنة الأمريكية في نصف الكرة الغربي، خصوصا في ظل تمدد النفوذ الروسي والصيني في فنزويلا. 

أخبار ذات علاقة

قاذفة قنابل أمريكية من طراز "بي-1"

قاذفات عابرة تؤجج الكاريبي.. هل تستعد واشنطن لحرب وشيكة في فنزويلا؟

ويشير آخرون إلى أن واشنطن قد تسعى إلى ضربة استعراضية تخلط بين أهداف انتخابية داخلية ورسائل استراتيجية للخارج.

لكن الوضع اليوم مختلف جذريا؛ ففنزويلا ليست جزيرة صغيرة معزولة، بل دولة غنية بالنفط، وتتمتع بدعم عسكري وسياسي من قوى كبرى؛ ما يجعل أي تدخل أمريكي مغامرة مكلفة وغير مضمونة العواقب. 

إضافة إلى ذلك، قد يثير تحرك عسكري أمريكي جديد في أمريكا اللاتينية موجة رفض شعبي وإقليمي، خاصة من دول كالمكسيك والبرازيل والأرجنتين التي تتبنى مواقف أكثر استقلالية.

من الواضح أن خطاب ترامب الأخير يعكس عودة نزعة التدخل الأحادي في السياسة الخارجية الأمريكية، مستندًا إلى مبدأ القوة كوسيلة لفرض النفوذ. 

ومع ذلك، فإن محاولة تطبيق "غضب عاجل 2" في القرن الحادي والعشرين تبدو محفوفة بالمخاطر، إذ لم تعد واشنطن تواجه أنظمة ضعيفة ومعزولة، بل تواجه خصومًا مدعومين من قوى عالمية منافسة.

وبينما ترفع الولايات المتحدة راية "الحرب على المخدرات"، يرى خصومها أن الهدف الحقيقي هو إعادة تشكيل النظام السياسي في كاراكاس وإرسال رسالة إلى بقية المنطقة بأن الهيمنة الأمريكية لم تنتهِ بعد. 

وبين ذكريات غرينادا وتهديدات فنزويلا، يبدو أن واشنطن تُعيد تدوير استراتيجيات الماضي في مشهد جيوسياسي أكثر تعقيدا وانقساما من أي وقت مضى.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC