في مشهد يعيد إلى الأذهان توترات القرن الماضي، تقترب ضفة البلطيق من شفا سباق تسلح جديد، بعدما دخلت إستونيا دائرة الضوء إثر إعلانها خطوة وصفت بأنها استفزازية وغير مسبوقة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.
وأكد الكرملين أن عزم إستونيا استقبال طائرات تحمل أسلحة نووية يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الروسي، محذرًا من تداعيات قد تمتد إلى استقرار أوروبا الشرقية برمتها.
تصريحات الكرملين، جاءت في أعقاب تصريحات وزير الدفاع الإستواني هانو بيفكور، الذي أعلن استعداد بلاده لاستضافة مقاتلات إف‑35A النووية ضمن دورات انتشار دورية على أراضي بلاده.
ووسط هذا التصعيد، يطرح المراقبون تساؤلات جدية، هل تتحول دول البلطيق إلى ساحة مواجهة نووية صامتة؟، وهو ما كشف عن تفاصيله الخبراء في الشؤون الروسية خلال السطور الآتية:
مخطط أوروبي استراتيجي
خبراء في الشؤون الروسية أكدوا أن نشر أسلحة نووية على أراضي إستونيا ودول البلطيق يشكّل تصعيدًا بالغ الخطورة يهدد الأمن القومي الروسي بشكل مباشر، خاصة أن انضمام هذه الدول إلى الناتو جاء منذ البداية في إطار مخطط استراتيجي يهدف إلى تقويض النفوذ الروسي وإحكام الطوق العسكري حوله.
وأشار الخبراء في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، إلى أن موسكو تعتبر وجود صواريخ نووية قرب حدودها، وتحديدًا في مناطق ملاصقة، مثل: نارفا، تجاوزًا للخطوط الحمراء قد يدفعها إلى ضربات استباقية لا يمكن التنبؤ بعواقبها.
وأضاف الخبراء أن الغرب يستخدم هذه الدول الصغيرة كورقة ضغط لإجبار روسيا على سباق تسلّح يستنزف مواردها واقتصادها، لكنهم رجحوا فشل هذه الخطط نظرًا لقدرة روسيا المتزايدة على الاكتفاء الذاتي والتصدير في مجالات الطاقة والتسليح.
وحذر الخبراء من أن نشر طائرات شبحية أمريكية مزودة بأسلحة نووية سيفتح الباب أمام مواجهات عسكرية مباشرة، وأن الكرملين لن يتردد في الرد بشكل حاسم إذا استمر التصعيد.
بداية، أكد محمود الأفندي، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، أن انضمام إستونيا ولاتفيا وليتوانيا ودول البلطيق إلى حلف الناتو كان بهدف التصعيد وتنفيذ خطوات استفزازية ضد روسيا.
أهداف انضمام دول البلطيق للناتو
وأضاف الأفندي لـ"إرم نيوز"، أن الدول التسع التي انضمت إلى الحلف، وهي "بلغاريا، ورومانيا، وبولندا، ودول البلطيق الثلاث، والمجر، والتشيك وسلوفاكيا" كان دخولها إلى الناتو يهدف بالأساس إلى مواجهة روسيا.
وأوضح الأفندي، أن انضمام هذه الدول إلى الاتحاد الأوروبي أيضًا جاء ضمن مخطط استراتيجي يرمي إلى تقويض الدور الروسي في المنطقة، مؤكدًا أنها الآن تنفذ الأوامر نفسها التي التحقت بالحلف من أجلها، ومن بين أثمان هذا الانضمام زرع أسلحة نووية على أراضيها.
وشدد على أن روسيا لن تسمح بذلك إطلاقًا، إذ يُعتبر تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، واصفًا الخطوة بأنها تصعيد بالغ الخطورة.
وأشار الأفندي إلى أنه في حال جرى نشر صواريخ نووية، فإن الأمور ستتجه إلى تصعيد كامل، وقد تقْدِم روسيا على توجيه ضربة استباقية ضد إستونيا إذا تسلّمت أسلحة نووية تكتيكية، باعتبار أن ذلك سيكون نقطة تحول خطيرة جدًّا لن تقبل بها موسكو بأي حال.
ولفت المحلل السياسي إلى أن وجود أسلحة نووية على الحدود الروسية، خاصة في مناطق، مثل: مدينة نارفا الإستونية التي تبعد كيلومترًا واحدًا فقط عن مدينة إيفانغورود الروسية، يشكل تهديدًا مباشرًا.
موقف روسيا من السلاح النووي
وأضاف الخبير في الشؤون الروسية أن هناك مناطق ملاصقة جغرافيًّا بين البلدين، مثل: بيسكوف وإيفانغورود، مؤكدًا أن روسيا لن تسمح بوجود سلاح نووي على هذا الخط الحدودي.
وأكد أن هذا التصعيد يهدف إلى تنفيذ الوعود التي قدمت لتلك الدول عند انضمامها للناتو، موضحًا أنها تنفذ اليوم المهام نفسها التي دخلت الحلف لتحقيقها.
وتابع الأفندي: "نحن ننتظر رد فعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إزاء هذه الخطوة، لكنني أستبعد بشدة أن ينجرف ترامب إلى مثل هذا التصعيد الخطير".
من جهته، قال نزار بوش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، إن روسيا بدأت عملياتها العسكرية في أوكرانيا؛ لأن حلف الناتو والولايات المتحدة لم يستجيبا لمطالبها المتعلقة بالضمانات الأمنية التي قدمتها قبل عام 2022، وكان أبرزها عدم توسع الناتو على حدود روسيا، وعدم انضمام أوكرانيا إلى الحلف، باعتبار ذلك تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الروسي.
وأكد بوش لـ"إرم نيوز" أن قرار الناتو، ولا سيما الاستخبارات الأمريكية والبريطانية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كان يرتكز على تقسيم روسيا وضرب اقتصادها تمهيدًا لاستهدافها عسكريًّا لاحقًا، لكنهم فشلوا، خصوصًا بعد وصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى الحكم.
نشر القوات الأوروبية بالحدود الروسية
وتابع أستاذ العلوم السياسية: "الخطة هذه لا تزال مستمرة من خلال محاولة إشغال روسيا والضغط عليها بنشر قوات الناتو في الدول الحدودية، مثل: إستونيا ولاتفيا وبولندا على حدود بيلاروسيا، وكذلك في فنلندا والسويد".
وأشار بوش إلى أن الغرب يستخدم هذه الدول الصغيرة كأدوات للضغط على روسيا؛ ما يدفعها إلى سباق تسلّح يضر اقتصادها ومعيشة شعبها بهدف استنزافها عسكريًّا واقتصاديًّا.
وأضاف أن هذه الخطة ستفشل لعدة أسباب، أهمها أن روسيا باتت قادرة على الاعتماد على ذاتها في التصنيع؛ ما يتيح لها تحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاعات عديدة، بل وتصدير المنتجات الزراعية والنفطية والغاز والتكنولوجيا النووية والأسلحة.
وحذر بوش، من أن نشر طائرت تحمل أسلحة نووية، مثل: الطائرات الأمريكية الشبحية من طراز F-35، يمثل خطرًا كبيرًا على أمن روسيا ووجودها.
وأكد أن موسكو لن تقف مكتوفة الأيدي إذا حدث ذلك، وقد يقع اصطدام عسكري لا يصب في مصلحة أي طرف، سواء روسيا أو الناتو أو أوروبا.
وختم قائلًا: "من المؤسف أن الدول الأوروبية تحولت إلى أدوات بيد البريطانيين والأمريكيين يحركونها كما يشاؤون"، مشددًا على أن نشر أسلحة نووية في أي دولة حدودية مع روسيا، خصوصًا إستونيا يشكل تهديدًا خطيرًا للأمن القومي الروسي، إذ يمكن استهداف موسكو في دقائق معدودة.