لا تزال المخاوف تتصاعد في أوروبا وحلف شمال الأطلسي "الناتو" من احتمال اندلاع صراع عسكري مباشر مع روسيا، في ظل مؤشرات على استعدادات موسكو لاختبارات دفاعية متواصلة على مدار العام.
وكشف الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، عن هذه المخاوف في خطاب وصف بالتاريخي ألقاه خلال مؤتمر ميونخ للأمن في برلين، قائلاً: "نحن الهدف التالي لروسيا، وعلينا أن نكون مستعدين لنطاق الحرب الذي عانى منه أجدادنا"، مشيرًا إلى أن أكبر اقتصاد في أوروبا، ألمانيا، استثمر بقوة في الدفاع لتعزيز قدرته على الردع.
وبحسب معطيات متداولة، وصل الإنتاج الحربي الروسي إلى مستويات قياسية، مع تصنيع نحو 2000 صاروخ كروز وباليستي بري، وإطلاق أكثر من 46 ألف طائرة من دون طيار وصاروخ على أوكرانيا، إضافة إلى إنتاج 2900 طائرة هجومية من دون طيار شهريًا.
ووفقًا لتصريحات روته، قد تكون روسيا مستعدة لاستخدام القوة العسكرية ضد الناتو في غضون 5 سنوات، محذرًا من أن التكلفة الاقتصادية لمثل هذا الصراع ستكون ضخمة، وتشمل ميزانيات طوارئ، وتخفيضات في الإنفاق العام، واضطرابات اقتصادية محتملة.
وعلى الرغم من المخاوف الأوروبية، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل أيام، أن موسكو لا تخطط لخوض حرب مع أوروبا، لكنها مستعدة للرد إذا بدأت أوروبا الحرب بشكل مفاجئ، محذرًا من أن المطالب الأوروبية بفرض "هزيمة استراتيجية" على روسيا غير مقبولة.
كما حذّر بوتين من أن أي محاولة لحصار كالينينغراد قد تؤدي إلى "تصعيد غير مسبوق" قد يتطور إلى صراع مسلح واسع النطاق، مؤكدًا في الوقت ذاته نشر الأسلحة النووية الروسية في بيلاروسيا وتعزيز الثالوث الاستراتيجي للردع النووي.
وأشارت تقديرات صادرة عن وزيري الدفاع والخارجية الألمانيين إلى أن موسكو قد تفتح خيار الحرب ضد الناتو في وقت أقرب مما كان متوقعًا سابقًا، مع تركيزها على تقويض وحدة الحلف واختبار ردود الفعل تجاه الاستفزازات.
وفي دول البلطيق وبولندا، حذّر كبار القادة العسكريين من احتمال هجوم مسلح روسي، مع تحديد دول البلطيق "ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا" كأهداف أولى لضربات موسكو، في حين تظل بولندا هدفًا محتملًا لضربات محدودة دون احتلال كامل.
ويرى خبراء أن أي حرب محتملة بين روسيا والناتو ستكون معقدة ومختلفة عن الحرب في أوكرانيا، في ظل التفوق التقني للناتو، مقابل قدرة روسيا على شن هجمات صاروخية متعددة المحاور وحملات إلكترونية واسعة.
وأضاف الخبراء أن السيناريو الأكثر ترجيحًا قد يشمل تدخلًا روسيًا في دول البلطيق أو جورجيا، مع تصعيد تدريجي محدود، مؤكدين أن موقف الولايات المتحدة ومستوى التنسيق الأوروبي داخل الناتو سيكونان عاملين حاسمين في مسار أي صراع.
وفي هذا السياق، أكد جيمس بوسبوتينيس، خبير الشؤون الأمنية والدفاعية، أن التساؤل حول الكيفية التي قد تبدو بها الحرب بين روسيا والناتو يمثل قضية معقدة، ولا توجد له إجابة بسيطة.
وقال بوسبوتينيس، في تصريح لـ"إرم نيوز"، إن الحرب بين روسيا والناتو لن تكون مشابهة للحرب في أوكرانيا، بسبب القيود المفروضة على أوكرانيا ونقص القوة الجوية لديها، مشيرًا إلى أن الناتو يمتلك تفوقًا تكنولوجيًا على روسيا، ويمكنه توظيف قوته البحرية والجوية بفاعلية.
وأوضح خبير الشؤون الأمنية أن الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو قادرة على استخدام قوة جوية كبيرة، تشمل مقاتلات F-35، إضافة إلى امتلاكها طائرات الإنذار المبكر المحمولة جوًا.
وأضاف بوسبوتينيس أن الولايات المتحدة ستساهم في أي حرب ضد روسيا، مستثمرة طيفًا واسعًا من قدراتها، لا يقتصر على القوة النارية فحسب، بل يشمل أيضًا الأصول الداعمة المتخصصة، وهو ما سيكون له تأثير كبير على أي صراع تقليدي.
وأشار إلى أن طبيعة إدارة دونالد ترامب تجاه روسيا وأوروبا والناتو تثير تساؤلات حول مدى التزام الولايات المتحدة بتعهداتها داخل التحالف، معتبرًا أن هذا العامل يُعد محوريًا في تقييم احتمالات الصراع.
وأوضح أن روسيا ستتعامل مع أي حرب ضد الناتو بطريقة مختلفة عن غزوها الأول لأوكرانيا، مع احتمال أن تبدأ بهجمات صاروخية باليستية، مدعومة بطائرات مسيّرة هجومية، تستهدف البنية التحتية والمنشآت العسكرية.
وبيّن أن ذلك يشكل تهديدًا متعدد المحاور، نظرًا لقدرة روسيا على إطلاق صواريخ كروز من الطائرات والمنصات الأرضية والسفن والغواصات، مع إمكانية استخدام صواريخ فرط صوتية مثل Tsirkon من غواصات نووية.
وأشار إلى توقعات بحدوث حملات تخريب، إضافة إلى حرب إلكترونية لتعطيل نظام GPS، وهجمات سيبرانية قد تُحدث اضطرابًا وربما حالة من الذعر بين المدنيين.
وأكد أن أصعب التحديات يتمثل في تحديد السيناريو الذي قد يشكل شرارة الحرب، لافتًا إلى أن عدم موثوقية الولايات المتحدة كعضو في الناتو سيكون له تأثير كبير على تخطيط موسكو، مضيفًا أن الحرب من دون مشاركة واشنطن ستكون مختلفة تمامًا عن حرب يخوضها الحلف بوجودها.
وأضاف أن قرار روسيا بالذهاب إلى حرب ضد الناتو سيعتمد على تصورها بأن الردع والتضامن داخل التحالف غير موثوقين، مع إدراك موسكو التفوق التقليدي للناتو، ما قد يضعها أمام خيار صعب بين الاعتراف بالفشل أو التصعيد.
من جانبه، قال برنت سادلر، المسؤول السابق في وزارة الحرب الأمريكية، إن السيناريو الأكثر احتمالًا لاندلاع حرب بين روسيا والناتو في أوروبا قد يكون نتيجة تدخل روسي في دول البلطيق.
وأضاف سادلر، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن الأزمة التالية الأكثر ترجيحًا، والتي قد تنطوي على تدخل عسكري روسي، ستكون في جورجيا، لا سيما إذا تراجعت الحكومة هناك عن موقفها المؤيد لروسيا مؤخرًا.
وأوضح أن مثل هذه الحرب قد تبدأ بهجمات إلكترونية وإجراءات اقتصادية، تشمل تعطيل حركة الشحن وقطع كابلات وأنابيب بحرية.
وأشار المسؤول السابق إلى أن أي صراع محتمل سيكون على الأرجح محدودًا من حيث النطاق الجغرافي والحجم، في محاولة لتجنب التصعيد إلى استخدام الأسلحة النووية.
وأكد أن المواجهة بين روسيا والناتو قد لا تتحول فورًا إلى حرب شاملة، بل قد تمر بمراحل من التصعيد التدريجي والمواجهات المحدودة، مع اعتماد الطرفين على الضغطين السياسي والاقتصادي قبل اللجوء إلى العمليات العسكرية التقليدية.
وشدد في ختام حديثه على أن قدرة الدول الأوروبية على التنسيق داخل حلف الناتو ستظل عاملًا حاسمًا في التحكم بمسار أي أزمة محتملة.