logo
العالم

خفايا خطة ترامب لأوكرانيا.. هل تشعل "صراعاً صامتاً" مع أوروبا؟

دونالد ترامب وقادة أوروبيينالمصدر: رويترز

تحولت خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لإنهاء الحرب في أوكرانيا، في لحظة تتكثف فيها التحولات في بنية الأمن الأوروبي، إلى محور صدام سياسي مكتوم بين واشنطن والعواصم الأوروبية.

وبدلًا من أن تُشكّل أرضية مشتركة لوقف القتال، باتت الخطة اختبارًا جديدًا للعلاقة عبر الأطلسي، وسط شعور أوروبي متنامٍ بأن واشنطن تحاول إعادة صياغة مستقبل القارة وفق مصالحها الاستراتيجية الخاصة.

وبينما يصف البيت الأبيض المبادرة بأنها "حل واقعي"، تراها أوروبا محاولة لفرض تسوية قسرية تستبعدها من صياغة ترتيبات الأمن المقبلة.

أخبار ذات علاقة

برنت سادلر

مسؤول سابق في البنتاغون: خطة أوكرانيا "ناقصة" وستُشعل انفجارًا مع أوروبا

ردود أوروبية 

ومنذ كشف بنود المبادرة التي تقلصت لاحقًا من 28 إلى 19 نقطة، بعد مفاوضات جنيف، انهالت المواقف الأوروبية الرافضة لعدد من عناصرها الحساسة، وعلى رأسها الاعتراف بحدود جديدة لصالح روسيا وتقليص القدرات العسكرية الأوكرانية.

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، الأكثر وضوحًا حين قالت أمام البرلمان الأوروبي، إنه لا يمكن أن نسمح باتفاق يترك أوكرانيا مكشوفة، ويجب على الاتحاد الأوروبي أن يقود أي عملية سلام، لا أن يكون متفرجًا عليها.

وفي باريس، شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن أوروبا لن تقبل بأي تنازل يُفرض على كييف تحت ضغط الزمن أو ضغط القوة، مشيرًا في قمة العشرين إلى أن السلام يجب أن يضمن أمن الأوكرانيين وكل الأوروبيين، وليس فقط مصالح واشنطن وموسكو.

أخطر 10 بنود على أوكرانيا

تحركات أوروبية

وفي لندن، أكد رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، على أن الخطة تتضمن عناصر إيجابية، لكنها لا تمنح أوروبا دورها الحقيقي، مؤكدًا أن أي تقليص ممنهج للجيش الأوكراني سيخلق فراغًا استراتيجيًّا خطيرًا.

أما المستشار الألماني فريدريش ميرز، فأكد أن الخطة أقرب إلى استجابةٍ لرواية موسكو، كاشفًا عن تحركات أوروبية مشتركة لصياغة وثيقة توجيهية للتعامل مع ترامب.

الخطة بصيغتها الحالية تُضعف الردع الأوروبي، وتبنى رئيس وزراء بولندا، دونالد توسك، موقفًا أكثر حدة، حين قال، إننا لا نعرف لمن كُتبت المسودة، لكنها بالتأكيد لا تعكس مصالح أوكرانيا ولا أمن أوروبا.

وفي مدريد، اعتبر رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانتشيز، أن الخطة "غير مكتملة ولا تراعي التوازن المطلوب للسلام"، داعيا إلى إشراك كييف في كل تفصيلة تخص أمنها.

فيما شددت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، على أن "أي ضغط على أوكرانيا لقبول تسوية قسرية سيؤدي إلى صراع جديد خلال سنوات".

أما أمين عام حلف شمال الأطلسي "الناتو"، مارك روته، فنبه إلى أن الخطة تُضعف ركائز الأمن الأطلسي، قائلًا إن أوروبا ستدفع الثمن إذا لم تصغ رؤيتها بنفسها.

وعلى وقع هذا الرفض، صدر بيان مشترك لقادة الاتحاد الأوروبي ودول السبع، أكدوا فيه أن المسودة الأولية تحتاج إلى عمل إضافي جذري، وأن تغيير الحدود بالقوة أو تجريد كييف من قدراتها الدفاعية خطوط حمراء.

وهذا الانقسام يعكس عمقا حقيقيا حول من يملك حق صياغة مستقبل أوكرانيا: أوروبا التي تخوض المواجهة على حدودها أم واشنطن التي تدير اللعبة من مسافة آمنة؟

حذر شديد

ويرى الخبراء وجود صراع واضح بين ترامب وأوروبا حول السيطرة على مستقبل أوكرانيا، مشيرين إلى أن الرئيس الأمريكي يسعى لصفقة ترضي روسيا وتضمن مكاسب استراتيجية لواشنطن، ويتعامل الأوروبيون بحذر شديد تجاه الطرح الأمريكي الذي يدعم حيادية كييف ويرفض توسع الناتو. 

وأضاف الخبراء أن موسكو راضية نسبيا عن النقاشات؛ لأنها تمنحها الإبقاء على أجزاء من الأراضي الأوكرانية مقابل تمسك كييف باستعادة كامل سيادتها، مع الإشارة إلى أن أوروبا تفضل استمرار الحرب لإضعاف روسيا.

من جهته، قال المحلل السياسي والمختص بالشؤون الأوروبية، كامل حواش، أن هناك صراعًا واضحًا بين أوروبا والولايات المتحدة حول مسألة السيطرة على الملف الأوكراني، مشيرا إلى أن الحديث لا يدور فقط عن اختلافات بين الجانبين، بل عن اتفاقية يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتوصل إليها حاليًّا. 

وأشار حواش، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إلى أن الجانب البريطاني يرى أن هذه الصفقة ما زالت بحاجة إلى الكثير من العمل قبل أن تصبح قابلة للتوافق، موضحا أن الأوروبيين يتعاملون مع الطرح الأمريكي بحذر شديد.

فجوة واضحة

ولفت إلى أن روسيا تبدو راضية نسبيا عن مخرجات النقاشات الدائرة؛ لأنها تمنح موسكو إمكانية الإبقاء على أجزاء من أوكرانيا، في حين تُصر كييف على استعادة كامل أراضيها بما في ذلك شبه جزيرة القرم.

وأكد المحلل السياسي أن زيلينسكي يسعى للحصول على دعم أوروبي وأمريكي متواصل، إلا أن ترامب ينتبه إلى وجود تيارات داخل أمريكا تعارض انخراطها في حروب خارجية مثل الحرب في أوكرانيا. 

وأوضح أن العديد من الدول الأوروبية إلى جانب الولايات المتحدة تُعد جزءًا من حلف الناتو الذي يرفض بوتين توسّعه أو أي وجود له داخل أوكرانيا، معتبرًا أن هذا الرفض أحد عناصر الطرح الذي يعرضه ترامب في مفاوضاته.

وأكد حواش، أن فجوة واضحة ما زالت قائمة بين الموقف الأوروبي الذي يدعم أوكرانيا بالسلاح والمال والتعاون المباشر وبين الموقف الأمريكي الذي يسعى للتوصل إلى صفقة تُرضي بوتين من جهة ودفع الأوكرانيين إلى قبول ما يتم التوصل إليه. 

أخبار ذات علاقة

لقطة من جبهات القتال

معركة "فرض الشروط".. هل يسبق "تفجير الجبهات" تفاوض روسيا وأوكرانيا؟

إضعاف روسيا

من جهة أخرى، أكد المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، بسام البني، أن طريق السلام في أوكرانيا لا يزال غامضا للغاية، لافتا إلى أن السؤال الجوهري يتمحور حول إمكانية التوصل إلى حل وسط يُرضي رغبة الولايات المتحدة في إبرام اتفاق، ويُلبي حاجة أوروبا لأمن دائم، ويكون مقبولا لدى كييف وموسكو. 

وكشف البني، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن موسكو ما زالت متمسّكة بأهداف العملية العسكرية الخاصة التي تشمل نزع سلاح الجيش الأوكراني وضمان حيادية أوكرانيا والاعتراف بالمناطق التي سيطرت عليها روسيا بوصفها مناطق روسية. 

وقال البني إن أوروبا تبدو معنية باستمرار الحرب انطلاقا من قناعة أن كل دولار يُصرف في أوكرانيا يساهم في إضعاف روسيا، معتبرا أن الغرب لا يدرك أن موسكو استعدت لهذا الصراع منذ زمن طويل وأن أي تراجع روسي الآن قد يؤدي إلى سيناريوهات تفكك داخلي أو حرب أهلية. 

وأوضح الخبير في الشؤون الروسية، أن الولايات المتحدة ليست معنية كثيرا بمآلات الحرب بقدر ما هي ساعية للاستفادة من ظروفها، مشيرا إلى أنها ركبت الموجة خلال الحرب العالمية الثانية حين دخلت متأخرة وظهرت ضمن صفوف المنتصرين وشاركت في صياغة شروط إنهاء الحرب.

وأشار البني إلى أن أوروبا تسعى إلى لعب دور قوة ضاربة على أمل تحقيق انتصار استراتيجي، إلا أنه يرى أن هذا الطموح لا يبدو قابلا للتحقق في ظل موازين القوة الحالية ومعطيات الميدان.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC