رد الاتحاد الأفريقي بشكل مباشر على تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في سابقة صادرة عن أكبر تكتل بالقارة السمراء، تظهر تغيرًا في الخطاب المعهود، بعدما قال له رئيس مفوضية الاتحاد محمود علي يوسف "فكّر مرتين قبل أن تتحدث".
وبنبرة جريئة، على لسان رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف خلال مؤتمر صحفي عقده في نيويورك، قال: "لا توجد إبادة جماعية في شمال نيجيريا، إن تعقيد الوضع في شمال نيجيريا يجب أن يدفعنا للتفكير مليًا قبل الإدلاء بمثل هذه التصريحات".
وكان ترامب قد زعم في وقت سابق من هذا الشهر أن من سماهم "الإسلاميين المتطرفين" يقتلون المسيحيين "بأعداد كبيرة للغاية".
وأصر على أن الولايات المتحدة ستتدخل عسكريًا إذا فشلت نيجيريا في وقف العنف، ما أثار قلقًا عالميًا وجدلًا دبلوماسيًا.
وأوضح رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي أن التمرد النيجيري متعدد الأوجه، ولا يتوافق مع رواية الإبادة ذات الطابع الديني، وأكد أنه يؤثر على جميع المجتمعات بغض النظر عن معتقداتها.
وقال يوسف إن "الضحايا الأوائل لجماعة بوكو حرام، الجماعة المتشددة الأبرز في المنطقة، هم المسلمون، وليس المسيحيون".
وأشار إلى أن شمال نيجيريا عانى على مدى أكثر من عقد من العنف الناجم عن الإيديولوجية المتطرفة والفقر والجريمة وتحديات الحكم، وليس حربًا بين ديانتين.
ولا تزال نيجيريا، التي يقطنها أكثر من 230 مليون نسمة، منقسمة بالتساوي تقريبًا بين جنوب ذي أغلبية مسيحية وشمال ذي أغلبية مسلمة.
ويحذر خبراء من تسبب تهديد ترامب بتفكيك ما تبقّى من تماسك نيجيريا الاجتماعي، خاصة أنه أحيا قضية انفصال بيافرا من جديد، وهي رواية تحمل بعدًا أيديولوجيًا وسياسيًا يتجاوز ظاهره الديني.
ومعلوم أن قضية انفصال بيافرا تعود إلى عام 1967 وقتها اندلع نزاع مسلح عندما أعلنت المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في نيجيريا وذات الأغلبية المسيحية، التي يقطنها بشكل رئيس شعب الإيغبو، استقلالها كجمهورية بيافرا.
وتسببت هذه المحاولة في حرب أهلية دامية استمرت ثلاث سنوات، أسفرت عن مقتل ما يقدر بـ 1 إلى 3 ملايين شخص معظمهم بسبب المجاعة، لتنتهي بهزيمة الانفصاليين وإعادة بيافرا إلى نيجيريا في عام 1970.
لذلك يحذر يوسف من التوصيف غير الدقيق المهدد بإثارة التوترات في ظل ما تشهده الساحة النيجيرية من نشاط المتطرفين وانتشار اللصوصية وصراعات المزارعين والرعاة، وصولًا إلى الاشتباكات الطائفية.
وتؤدي هذه الصراعات في كثير من الأحيان إلى مقتل الضحايا دون تمييز، حيث يعاني المسيحيون والمسلمون على حد سواء من خسائر فادحة.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن جماعة بوكو حرام، التي شنت حملتها العنيفة في عام 2009، قتلت أكثر من 40 ألف شخص وشردت أكثر من مليوني شخص.
وذكرت وكالة أنباء نيجيريا أن تعليقات ترامب أثارت جدلًا عبر الدوائر الدبلوماسية والهيئات الدينية وجماعات المجتمع المدني.
وقال محمود علي يوسف إن الاتحاد يظل ملتزمًا بمساعدة نيجيريا في إيجاد حلول طويلة الأمد لانعدام الأمن من خلال التعاون وتبادل المعلومات الاستخباراتية وأطر الأمن الإقليمية.
وفي بيان صدر اليوم الجمعة ووقعه عشرة من كبار مفوضي الاتحاد الإفريقي، أعرب عن قلقه البالغ إزاء التصريحات الأخيرة الصادرة عن الولايات المتحدة والتي تشير إلى تدخل عسكري محتمل في نيجيريا، واصفًا هذه الخطابات بأنها "خطيرة وغير منتجة".
وأكدت أيضًا الحق السيادي لنيجيريا في إدارة شؤونها الداخلية بما يتوافق مع دستورها والتزاماتها الدولية.
وصنف ترامب في وقت سابق الشهر الماضي نيجيريا كدولة مثيرة للقلق بشكل خاص، وأوقف مبيعات الأسلحة والدعم الفني للبلاد.
بدورها، أعربت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، عن قلقها وقالت إنها ترفض "بشدة" مزاعم الولايات المتحدة بشأن نيجيريا، قائلة إن "الادعاءات الكاذبة والخطيرة تسعى إلى تعميق انعدام الأمن في المجتمعات وإضعاف التماسك الاجتماعي في المنطقة".
في غضون ذلك، أكد الاتحاد الأوروبي، عبر سفيره لدى نيجيريا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، غوتييه مينيو، تضامنه مع نيجيريا.