رأى خبراء أن الأسلحة النووية، التي وضعتها مؤخرًا الولايات المتحدة الأمريكية في بريطانيا، تأتي في إطار رسالة ردع حازمة لروسيا، مستبعدين أن تكون بعرض الاستخدام في الفترة الحالية في ظل التصعيد على جبهة أوكرانيا وتهديد موسكو لأمن أوروبا.
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الهدف الرئيسي من وراء التحرك الأمريكي البريطاني هو تعزيز الردع النووي الميداني في مواجهة أي عدوان محتمل، وتوصيل رسالة حازمة وواضحة إلى موسكو، وإعادة صياغة عمل حلف "الناتو" بين الولايات المتحدة والأوروبيين.
وقال مدير مركز "فيجن" للدراسات الاستراتيجية، الدكتور سعيد سلام، إن قرار الولايات المتحدة بإعادة نشر أسلحة نووية في قاعدة "لاكينهيث" البريطانية يمثل تحولا استراتيجيا جوهريا، يعيد صياغة ديناميكيات الردع ضمن الفضاء الأوروبي-الأطلسي.
ولفت في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن ذلك "التحرك، الذي لم يحدث بهذه المنطقة منذ عام 2008، يأتي في خضم سياق جيوسياسي بالغ التعقيد؛ حيث تتواصل الحرب الروسية على أوكرانيا، وتتراجع قنوات الحوار النووي بين القوى الكبرى".
وبيّن الدكتور سلام، أن ذلك الوضع يتفاقم بفعل التهديدات المتكررة الروسية، باستهداف عواصم أوروبية بصواريخ باليستية، بما في ذلك الرؤوس النووية، والتلويح بعدم تمديد معاهدات رئيسية مثل "نيو ستارت" في عام 2026، مما ينذر بانهيار وشيك لنظام مراقبة الأسلحة النووية.
وذكر أنه على الرغم من أن الكرملين ينظر إلى نشر الولايات المتحدة للسلاح النووي في بريطانيا على أنه "تصعيد منظم" من شأنه زعزعة الاستقرار الإقليمي، فإنه من الواضح أن الهدف الرئيسي من وراء التحرك الأمريكي-البريطاني هو تعزيز الردع النووي الميداني في مواجهة أي عدوان محتمل، وتوصيل رسالة حازمة وواضحة إلى موسكو.
ولفت الدكتور سلام إلى أن ذلك "التحرك، الذي يأتي أيضًا تفاعلًا مع خطط موسكو، التي بدأت منذ أكثر من عام لنشر رؤوس نووية وصواريخ باليستية في بيلاروسيا، يساهم بفاعلية في ترسيخ هيكلية الردع داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)".
وأكد أن ذلك "يمنح لندن موقعًا محوريًا في الاستراتيجية النووية الأطلسية على المدى الأبعد، وهذا التموضع قد يمهد الطريق أمام نقاشات أعمق حول تكامل نووي أوروبي مستقبلي، خاصة مع تزايد الدعوات الرامية إلى تحقيق سيادة استراتيجية كاملة داخل الاتحاد الأوروبي".
وتابع الدكتور سلام: أنه في ظل هذه الديناميكيات المعقدة، تتأرجح السيناريوهات المحتملة بين تعزيز الردع دون اللجوء إلى الاستخدام الفعلي للأسلحة، وهو السيناريو الأكثر تفضيلًا وترجيحًا والأبعد عن المخاطر الجسيمة.
وأكد أن الانزلاق نحو سباق نووي تكتيكي في شرق أوروبا، أو حتى تصعيد مباشر في إطار الحرب الروسية على أوكرانيا قد يقود إلى تهديدات نووية صريحة.
بدوره، اعتبر الخبير في العلاقات الدولية أحمد العلوي، حالة وضع واشنطن أسلحة نووية في بريطانيا، هو أقرب لمشهد استعراض "عضلات" من الغرب في وجه موسكو في هذا التوقيت، الذي يحمل بشكل كبير إعادة صياغة عمل حلف "الناتو" بين الولايات المتحدة والأوروبيين.
وأوضح في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الأمر للترهيب من جانب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد أوضاع صدام باتت قائمة بين الرئيس ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بعد فصل "التفاهم"، الذي ذهب ومن الصعب عودته.
وبيّن العلوي أن هذه الصواريخ ليست للاستخدام إلا للرد من جانب الأوروبيين في ظل استبعاد استخدام الطرفين، سواء روسيا أم حلف "الناتو"، أسلحة نووية أو محملة برؤوس نووية في ظل إدراك الجانبين "المتجاورين" الأثر الكارثي لتلك الأسلحة وانتقال آثارها.
وأشار إلى أن نقل واشنطن أسلحة نووية إلى بريطانيا غرضها الردع لأي تلويح روسي بالسلاح المماثل، وأيضا لعدم تجاوز روسيا الخطوط الخاصة بأمن القارة العجوز.
ونوه العلوي إلى أن هذه الخطوة سيتبعها أشكال أخرى من التعاون وإظهار التكاتف من الغرب أمام موسكو في ساحة أوكرانيا ومن الممكن أن تتجدد ساحات مواجهات أخرى يجهز لها ترامب أمام الروس ليأتي عبر هذه الأسلحة النووية والتي ستكون بداية لأسلحة أخرى.
وأضاف أنها تعتبر أيضًا "تأكيد أمريكي بالوقوف على خط القيادة للناتو وحماية أمن الأوروبيين في ظل دخول العملية في أوكرانيا في أطر تتعلق بدخول دول من القارة العجوز في صناعات عسكرية بالولايات المتحدة والقيام بعقد صفقات ضمن الصندوق التسليحي الدفاعي، الذي قامت دول أوروبا بتكوينه ويحمل رأس مال يتجاوز 500 مليار يورو، ويراهن عليهم ترامب بشكل كبير".